لماذا شجرة الغار اشرف الأشجار ؟؟

 

لم ينج من سهام كيوبيد أحد حتى كبار الآلهة، فقد رمى بسهمه قلب ابولو فأدماه، وتفصيل ذلك أن ابولو كان يسير على ضفة احد الأنهر، وقد لعب به الكبر والإعجاب بعد رجوعه من قتل حية الظلام، فرأى كيوبيد يلعب بسهامه الصغيرة على ضفة النهر، فأخذ يفتخر عليه قال :" اترك الأسلحة للأيدي القوية التي تستحقها أيها الطفل المدلل واقنع بمشعلك"، فتألم كيوبيد وهزه الأباء وقال "تستطيع أن ترمي بسهامك الأبطال يا ابولو، ولكن سهامي ستجد منفذا الى قلبك"، ثم طار إلى قمة جبل بارناسوس واخذ يفتش عن صيد له.

وسهام كيوبيد نوعان، لبعضها رؤوس دقيقة من الذهب، وللآخر رؤؤس دقيقة من الرصاص، أما الاولى فمن أصابه سهم منها وقع في أول من يراه حب الجنون، وأما الثانية فمن أصابه سهم منها كره الحب وفر منه فرار الملسوع من الحية.

والتفت كيوبيد فرأى دافن بنت بيناس اله النهر ورأى فيها هدفا صالحا لرد كيد ابولو،وكانت دافن من اجمل نساء عصرها حتى أن الأزهار النائمة كانت ترفع رؤوسها وتفتح أكمامها عند رؤيتها، فأخذ كيوبيد سهما من الرصاص ورماها يه فكرهت الحب وخافت من المحبين، ثم اخذ سهما من الذهب ورمى به ابولو فدخل الحب قلبه ورأى الفتاة فناجاها آيات الحب والغرام وهربت منه فتبعها، وكان شعرها الذهبي على كتفيها يستهويه ويغويه، ويداها وذراعاها العاريتان تفتنه، أما عيناها فنجمتان تتألقان، وأما شفتاها فسحر الآلهة المبين ، ولكن كان في واد والفتاة في واد، فهو محب مفتون وهي تكره الحب كره الموت.

وجدت الفتاة في الهرب فتبعها، وتلتفت خائفة مذعورة فيردد: "جوبيتر أبي، وأنا اله دلفي اعلم الحاضر والمستقبل، وانبىء بالغيب وبما سيكون، وسهامي لا تخطئ هدفها، ولكن سهما قاتلا أصاب قلبي فأعياني، إنني اله الطب واعرف كل بنات نافع شاف، ولكنني أتألم من مرض لا شفاء له".

وظل الإله يجد في اثر الفتاة حتى كاد يدركها، فصرخت تستنجد بأبيها: "إلي يا أبي، افتح الأرض لتنطبق علي، أو غير هيئتي، هذه الهيئة التي كانت وبالا وشؤما علي، وكانت السبب فيما أنا فيه الآن من خطر مهلك مميت"، وما كادت تنتهي من كلامها حتى تصلبت أعضاؤها، أخذت قشرة رقيقة تحيط يصدرها، واصبح شعرها ورقا وذراعاها أغصانا، وغارت قدماها في الأرض جذورا، وصار رأسها راس شجرة ليس له من شكله الأول غير جماله.

ومد ابولو يده إلى الجذع فشعر باللحم يرتجف تحت القشرة الجديدة، وضم الأغصان بين ذراعيه وقلبها فتلصقت تحت شفتيه، وعندما أفاق من ذهوله ورأى أن حوريته انقلبت شجرة تألم وقال: "بما انك لن تكوني زوجتي الحبيب فكوني شجرتي المفضلة المحبوبة، وسأصنع من أغص انك تاجا أزين به رأسي، وعندما يتقدم الفائزون إلى سدة النصر تكونين تاجا من الغار على رؤوسهم، وكما أن الشباب الدائم من صفاتي فستكونين خضراء دائما ولن يذبل ورقك".

وصنع ابولو من ورق الغار تاجا ولبسه إكراما لحبيبته وذكرى دائما لحبها، أمر أن تزرع شجرة الغار قرب هيكله، ولذلك كانت شجرة الغار اشرف الأشجار.

أما كيوبيد فكان ينظر إلى حسرة ابولو ودموعه فرحا متشفيا.

ويستعمل الغار في بعض أنحاء لبنان سقوفا للخيام في الصيف.

كما أن أوراقه توضع في الماء وتغلى به الثياب المغسولة فتكتسب رائحة طيبة.