ذنب الطاووس

 

رأت أم الآلهة يوما أن الظلام يغمر الكون فجأة. فلم تشك في أن زوجها قد آثار سحابة يخفي بها بعض أعماله التي تخجل من النور، فعمدت إلى السحابة فبددتها، ورأت زوجها على ضفة نهر صاف والى قربه عجلة جميلة، فعلمت جونو أن في الأمر لعبة ولم تشك أن وراء العجلة حورية حسناء، ولم تخطئ لان العجلة لم تكن إلا آبو ابنة ايناخوس وكان جوبيتر يغازلها، فلما شعر باقتراب زوجته غير شكلها ليستر عمله.

أخذت أم الآلهة تعجب بجمال العجلة وتثني على أناقتها ثم طلبتها من زوجها هدية فعز على جوبيتر أن يتخلى عن عشيقته لزوجته، ولكنه لم يجد وسيلة لرد طلب يبدو تافه كهذا الطلب دون أن يثير شكوك زوجته، فاضطر إلى إجابة طلبها أهدى إليها العجلة.

ووضعت جونو العجلة تحت مراقبة عيون ارغوس، ولارغوس هذا مائة عن في رأسه ينام باثنين وتظل العيون الباقية واعية ساهرة، ولذلك كان الأمل ضعيفا في نجاة آبو منه، لان ارغوس ربطها وجعل عيونه عليها ليل نهار.

وتألمت آبو وتعذبت وكثيرا ما كانت ترغب في أن تمد ذراعيها إلى ارغوس متوسلة مسترحمة، ولكن أنى لها الذراعان فقد كانت عجلة وكان صوتها خوارا يخيفها، وكثيرا ما مر أبواها وأخواتها بها فلم يعرفوها بل كانوا يطعمونها العشب ويربتون على ظهرها معجبين بجمالها، أرادت أن تخبر أبويها بأمرها فكتبت اسمها على الرمل بحافرها، فعلم أبوها بأمرها وبكى ورثى لها وضم عنقها بين ذراعيه وقال:" لو مت لكان حزني أخف منه ألان".

وعرف ارغوس ما دار بين آبو وأبيها فنقلها إلى جبل بعيد وشدد عليها المراقبة وزاد في تعذيبها، ألم جوبيتر ما حل بعشيقته ولم يجرؤ على تخليصها جهارا أما عيون ارغوس، وذكر هرميس ومهارته في سرقة قطيع أخيه وهو ما يزال طفلا، فعزم على تكليف أمير اللصوص بسرقة العجلة من ارغوس.

ورأى هرميس في هذا العمل تسلية لا مركبا وعرا، أسرع في خلع قبعته المجنحة وحذاءيه المجنحين، وتزيا بزي راع جبلي وحمل عصاه في يده وسار ينفخ في مزماره، ورأى عنزات ترعى في الطريق فساقها أمامه حتى وصل إلى حيث كان ارغوس يقوم بحراسة العجلة. وقد كان قد اخذ يمل الوحدة واليقظة الدائمة ويتوق إلى شخص يكلمه، فلما رأى هرميس رحب به ودعاه إلى الجلوس معه في ظل الشجرة، وطلب منه أن ينفخ له بمزماره ويحدثه، فجلس هرميس بقرب ارغوس على حجر واخذ ينفخ بمزماره ألحانا شجية كحنين الأغصان يداعبها النسيم، وكان الطقس حارا، والشجرة ظليلة، وموسيقى هرميس فاتنة ساحرة، أخذت عيون ارغوس تنام الواحدة بعد الأخرى ولم يبقى منها إلا اثنتان، فاستعان هرميس بأحاديثه وحكاياته وموسيقاه وسحره حتى نامت العيون كلها، فحمل آبو وذهب بها.

وعرفت جونو بخلاص العجلة قبل جوبيتر فأرسلت لها ذبابة مؤلمة تعذبا أخذت آبو تهرب من الذبابة وهي تتبعها من مكان إلى مكان، وقد مرت في بحر ايجي فسمي باسمها، ووصلت إلى سهل البريا ومضيق تراقيا فسمي البوسفور ومعناه (مجاز العجلة أو البقرة) وظلت تهرب من الذبابة والذبابة تتبعها حتى وصلت إلى النيل، وأخيرا أشفق جوبيتر عليها ورق له قلبها فوعد زوجته بهجرها، وطلب منها أن تسامحها، فعفت وسامحت وردتها إلى شكلها أعادتها إلى أبويها.

أما ارغوس فقيل أن هرميس قتله عندما نام، وقيل أن أم الآلهة غضبت عليه وحكمت انه لا يستحق عيونه، أخذتها منه ووضعتها في ذنب طاووسها المدلل، ومنذ ذلك الوقت اصبح للطواويس عيون في أذنابها.