أطفالنا والثقافة الإلكترونية:ألمقال من موقع إبداع

 

فهل الثقافة العلمية التي يريدها الباحث لأطفالنا، هي الثقافة الإلكترونية؟
ومن الملاحظ أن هذا الأدب انتشر في عصر المعلومات وانفجار المعرفة، وتكاثُر الأسئلة الغامضة حول مستقبل الإنسان، والآفاق القادمة التي يمكن أن يصل إليها. ويمكننا القول إنه إذا كانت الثقافة العلمية تهتم بمضمون الرسالة العلمية التي تحملها لأبنائنا، فإنه يمكن للثقافة الإلكترونية أن تكون هي الشكل الذي يحمل هذا المضمون. وعلى ذلك فهما وجهان لعملة واحدة هي ثقافة أطفالنا المعاصرة، أو ثقافة أطفالنا في القرن الجديد، دون أدنى إخلال بقيمنا ومبادئنا وأصالتنا العربية والإسلامية. إننا بذلك ننظر إلى مستقبل ملايين الأطفال العرب الذين يعبرون عام 2000، "والحديث عن عام ألفين هو الحديث عن عصر الكمبيوتر والرجل الآلي والذكاء الاصطناعي وبنوك المعلومات، وهو الحديث عن هندسة الوراثة واستنساخ البروتينات، ومغامرة الإنسان المثيرة لاقتحام الخلية والتلاعب بشفرتها الوراثية الدقيقة، في محاولة للتحكم بصفات الكائنات الجديدة، واصطفاء أحسن ما فيها، وهو الحديث عن حرب الكواكب واستعمار الفضاء والأقمار الصناعية التي تجوب الكون من أقصاه إلى أقصاه"(8) وبذلك يتضح مدى العلاقة الوثيقة بين الثقافة العلمية، وما أسميناه بالثقا فة الإلكترونية. وكلاهما يجب أن يُدرس بشكل جيد قبل أن يُقدَّم للطفل سواء في البيت أو المدرسة. "فتنمية المواهب العلمية بدءا من البيت، فالمدرسة، فالمؤسسات المسؤولة عن الطفل، قد تفتح آفاقا أمام أجيالنا المقبلة في مستقبل لغته الأساسية والوحيدة أحيانا .. ما تملك هذه الأجيال من علم وتقنيات ووسائل متطورة"(9). وعلى ذلك فإن الميول العلمية التي نحاول أن نغرسها اليوم في أطفالنا، تجعلهم في المستقبل يعتمدون على العلم، وربما يبدعون في مجالاته. ولعل من أهم العوامل التي تستطيع غرس حب العلم في نفوسهم، جهاز الحاسب الآلي، الذي يتعاملون معه ويتفاعلون مع أدائه المبهر في اكتسابهم لثقافتهم الإلكترونية.


وأراني أتفق مع د. عماد زكي في قوله "ليس هناك شك في أن تعميق الثقافة العلمية وتحريض التفكير العلمي وتشجيع الخيال العلمي لدى أطفالنا، أصبح مهمة عاجلة ومقدسة لا يجوز التواني عنها أو تأجيلها لأن ذلك يعد خيانة لمستقبل الأجيال القادمة"(10).


أدب الخيال العلمي ومستقبل الأجيال القادمة


ومما يجعل الإنسان مطمئنا إلى حد ما إلى مستقبل الأجيال القادمة، أن طفل اليوم بدأ يعشق برامج ومسلسلات الخيال العلمي، فمن خلال تحليل نتائج الدراسة الميدانية التي قامت بها وفاء نجيب القسوس لاتجاهات الأطفال وذويهم نحو برامج ومسلسلات الخيال العلمي التي يقدِّمها التلفزيون الأردني، "تبين أن الأطفال بشكل عام يفضلون مسلسلات وبرامج الخيال العلمي أكثر من برامج عالم البحار أو الحيوان، أو افتح يا سمسم أو المناهل، فمسلسلات وبرامج الخيال العلمي لا تزال تحظى بشعبية كبيرة بينهم"(11) وعلينا إذن أن نستثمر هذا الجانب وهذه الرغبة في أطفالنا ونقدم لهم ما يناسبهم وما يناسب مجتمعهم وما نتطلع إليه نحو رجل الغد، وألا يكون اعتمادهم في هذا الجانب على ما تقدمه البرامج المستوردة التي تحوي كمية لا بأس بها من العنف والقتل والدمار.


القصص العلمية وقصص الخيال العلمي


وفي هذا الصدد يجب أن نفرق بين القصص العلمية، وقصص الخيال العلمي، فالقصص العلمية ـ حسب تعريف عبد البديع قمحاوي ـ "قد تكون قصصا وصفية، تتتبَّع أبحاث العلماء، وجهود العلماء والمخترعين والمبتكرين، وقصص مخترعاتهم ومبتكراتهم، وما لاقته هذه المخترعات من قبول أو رفض، وما كان لها من تأثير في حياة الناس. أما قصص الخيال العلمي فهي تقوم على خيال ـ ليس بالخيال المحض ـ ولكنه خيال مدعم بنظريات علمية قد تكون سائدة في عصر الكاتب أو المؤلف، أو تكون هذه النظريات العلمية غير منتشرة في عصره، ولكنها معروفة لدى مؤلِّف هذه القصص. وليس من الضروري أن يكون مؤلِّف قصص الخيال العلمي من العلماء، ولكن هو مؤلف يتميز بالخيال المقنن الذي يستطيع أن يجعله يجسِّد عالما خياليا، لكن يمكن أن يعايشه القارئ ويتطلع إليه"(12) ولعلَّ من أهم وظائف أدب الخيال العلمي، تهيئة العقل الإنساني لتقبل العلوم المستقبلية، وفي هذا المجال نتذكر مقولة العالم أنشتاين التي دائما ما يستشهد بها الكتَّاب والباحثون في أدب الخيال العلمي: "لقد تعلمت من الأديب الروسي دوستوفسكي في مجال الرياضيات أكثر مما تعلمته من نيوتن وكوس".


ــــــــــــــــــــــــ
* هوامش:
1 ـ أدب الطفل العربي. مجموعة أبحاث. عمَّان: منشورات الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب (د.ت).
2 ـ السابق. ص 94.
3 ـ السابق. ص ص 31، 32.
4 ـ السابق. ص 73.
5 ـ السابق. ص 73.
6 ـ السابق. ص 79.
7 ـ السابق. ص 104.
8 ـ أدب الأطفال في الأردن واقع وتطلعات. بحث "أدب الأطفال والعام ألفين". د. عماد زكي. عمان: وزارة الثقافة الأردنية، ومؤسسة نور الحسين، 1989.
9 ـ أدب الطفل العربي. د. طالب عمران. ص 62.
01 ـ أدب الطفل العربي. ص 130.
11 ـ أدب الطفل العربي. ص 147.
12 ـ أدب الطفل العربي. ص 188.



أحمد فضل شبلول: شاعر وباحث من مصر، له ثمانية دواوين شعرية مطبوعة آخرها ديوان "الماء لنا والورود"، و"الحياة في الرواية". عضو في مجلس إدارة اتحاد كتاب مصر ومجلس إدارة هيئة الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية بالإسكندرية ورابطة الأدب الإسلامي العالمية والجمعية المصرية لأصدقاء مكتبة الإسكندرية