الحكاية الشعبيّة - رافع يحيى

 

          يعتبر الأدب الشعبي  أحد التيارات الهامة في التراث، لكن تعريفه شكّل إشكالية لدى الباحثين، فنجد بعض الباحثين يرادف اصطلاح الأدب الشعبي للفولكلور(1). وهناك من يميز بين الأدب الشعبي والأدب العامي(2). ومن الباحثين من ميز بين الأدب الشعبي والرسمي في أنّ الأدب الشعبي ينبع من الروح الشاعرة للجماعة، في حين أن الأدب الرسمي ينبع من روح الفرد الشاعرة ولهذا فإن الأدب الرسمي يعرف مؤلفه اما الأدب الشعبي فلا يعرف له مؤلف لانه حصيلة نتاج الجماعة(3). وهذا التعريف  غير دقيق لأن هناك مؤلّفات تعتبر ضمن الأدب الرسمي، لكن مؤلفها مجهول، من جهة أخرى هناك مؤلفات مؤلّفها معروف وتنسب للأدب الشعبي. ويذكر نمر سرحان نقلاً عن فرانز كراتسي أن الإنتاج الشعبي تتحكم فيه الآلية النفسية بينما الإنتاج الفني يتحكم فيه المنطق والتيارات الفكرية السائدة(4) ونرى في هذا التعريف نفياً لوجود تيارات فكرية سائدة في حين أن   الأدب الشعبي لم يخل في أي عصر من العصور من التيارات الفكرية، وبالتالي لا يمكن نفي البعد الفكري الإنتاج الشعبي، ورغم أن "الآلية النفسية" تسجل لصالح الإنتاج الشعبي إلا أنها تظل منقوصة اذا نفينا التوجه الفكري في الإنتاج الشعبي.

يمكن حصر المحاولات الكثيرة لتعريف الأدب الشعبي في ثلاثة اتجاهات(5):

أ. اللهجة العامية، مجهولية المؤلف، والتناقل الشفوي.

ب. اعتبار الأدب الشعبي عن نفسية الشعوب دون اشتراط العامية ومجهولية المؤلف.

ج. يشترط اللهجة العامية في الرواية أو الكتابة دون الإهتمام لمجهولية المؤلف، أو الرواية.

          وكان من الطبيعي أن يجرف الاهتمام بالأدب الشعبي الباحثين إلى دراسة الحكاية الشعبية من كافة جوانبها. ومن الدراسات الرائدة في هذا المجال منهج بروب(Propp) لتحليل الحكايات تحليلاً مورفولوجياً(6) وقامت د.نبيلة ابراهيم بتطبيق هذا المنهج(7).كما قام Thompson بمجهود علمي هام في مجال الحكايات إذ بنى فهرساً للجزئيات (Motifs) الأساسية التي تتكون منها الحكايات الشعبية مثل العصا والبساط السحري أو الخاتم وغيرها(8).

          ولعل دراسة سهير القلماوي عن ألف ليلة وليلة من الدراسات البارزة في مجال الحكايات الشعبية حيث جمعت في دراستها هذه بين المنهج التأريخي إلى جانب المنهج التحليلي(9).

وتجدر الإشارة أن هناك ايضاً دراسات كثيرة قصدت تصنيف القصص الشعبي حسب المواضيع التي تعالجها الحكايات أو حسب المبنى الفني للحكايات، ويقسم القصص الشعبي إلى ثلاثة أقسام رئيسية وهي: أ. الأساطير.  ب. قصص الخوارق أو الحكاية الخرافية.  ج. الحكاية الشعبية(10).

          وتركز الدراسات الحديثة في بحثها للحكايات الشعبية على تقسيمها إلى أجناس أدبية مختلفة(genres وقد أدى بحث الباحثين عن مقاييس مختلفة للتمييز بين الأجناس الأدبية المختلفة إلى تبلور مناهج جديدة لبحث الحكاية الشعبية ومن أهم هذه المناهج:

 1.  المنهج الوظيفي: ويهتم اصحاب هذا المنهج بتعريف الوظيفة التي تقوم بها الحكاية في مجتمع ما، وقد اهتم بهذا المنهج علماء الإنتربولوجيا، وقد تؤدي الحكايات حسب هذا المنهج وظائف مختلفة في مجتمعات مختلفة.

 2.  المنهج الثيمي: ويرى اصحاب هذا المنهج بالثيمة(theme) المتغير المركزي للتمييز بين الأجناس الشعبية، والسؤال الرئيسي الذي يقود أصحاب هذا المنهج، ما هو مضمون الحكاية؟ وهناك الكثير من الباحثين الذين اتبعوا هذا المنهج كوسيلة للتمييز بين الأجناس الأدبية في الأدب الشعبي منهم الأخوان جريم، وهاربرت روز(Rose Herbert) وتومبسون(Thompson stith). ومن عيوب هذا المنهج أنه يستند إلى الثيمة كوسيلة تميز بين الأجناس مع أن هناك الكثير من المواضيع المشتركة في الأجناس الأدبية المختلفة في الأدب الشعبي.

 3.  المنهج المورفولوجي: ومن أبرز أعلام هذا المنهج فلاديميربروب(Propp, vladimir) وعرف منهجه بالمنهج المورفولوجي وفي كتابه مورفولوجيا الحكاية يفصل بروب الكلام من الوظائف، وهو ينطلق في دراسته للحكاية اعتماداً على بنائها الداخلي. أي على دلائلها الخاصة(signes)، وتنحصر الفرضيات التي انطلق منها "بروب" خلال دراسته لمجموعة من الحكايات العجيبة الروسية(مائة نموذج) في أربع نقاط رئيسية يلخصها على الشكل التالي(11):

أ. إن العناصر الثابتة في الحكاية، هي الوظائف التي تقوم بها الشخصيات كيفما كانت هذه الشخصيات، وكيفما كانت الطريقة التي تم بها انجازها. ولهذا فإن الوظائف هي الأجزاء الأساسية في الحكاية. 

ب. إن عدد الوظائف التي تحتوي محلها كل حكاية عجيبة دائماً يكون محدوداً.

ج. إن تتابع الوظائف متطابق في جميع الحكايات المدروسة.

د. جميع الحكايات العجيبة تنتمي-من حيث بنيتها- إلى نمط واحد.

          وبعد أن تحدث بروب عن الوظائف بتفصيل قام بتوزيعها على الشخصيات الأساسية في الحكاية العجيبة فرأى أن هذه الشخصيات الأساسية تنحصر في سبع شخصيات(12): 1. المتعدي أو الشرير. 2. الواهب  3.المساعد  4. الأميرة     5.الباعث   6.البطل   7.البطل الزائف.

          وقد حدد "بروب" الوظائف التي تقوم بها الشخصيات في الحكاية العجيبة في احدى وثلاثين وظيفة. ويمكن القول أن بروب يعرف الحكاية العجيبة بأنها متتالية من الوظائف تبدأ بالإساءة أو الشعور بالنقص، وتنتهي بالزواج أو بأية وظيفة تمكن من حل العقدة، وينبّه بروب إلى أن الحكاية العجيبة ليست دائماً بسيطة فهناك أنماطٌ متعددة تتشابك فيها المتتاليات وتتعدد(13) ومنهج بروب على الرغم من أهميته إلا أنه قد لا يتطابق مع حكايات عجيبة أخرى في بيئات ومجتمعات أخرى ولكنه أضاء أمام الباحثين الطريق لبحث الحكايات الشعبية وفق منهجية جديدة الأمر الذي يلقى بإضاءات جديدة على حقول الحكايات الشعبية الشاسعة في هذا العالم.

4. المنهج الميثولوجي: ويعتمد هذا المنهج على أن الحكايات هي ميراث من الماضي المشترك للشعوب الهندو أوروبية، وأن هذه الحكايات بقايا أساطير، ليس من الممكن فهمها إلا من خلال التفسير الصحيح لهذه الأساطير.

5. المنهج الانثربولوجي: وقد استخدم أصحاب هذا المنهج  المنهج المقارن في دراسة الحكايات مثل دراسة التشابه بين الحكايات في الاقطار المختلفة. ويمثله كلود ليفي شتراوس "C. Levi Strauss."

6. المنهج النفسي: ويرتكز أصحاب هذا المنهج على أن جميع الحكايات وقصص الخوارق تعبر عن العقل الباطني، وهي تفريع للرغبات المكبوتة عند الانسان. وهناك توجهان أساسيان في دراسة المنهج النفسي للحكايات الشعبية فمدرسة "يونج" تستعين باللاوعي الجماعي في دراستها في حين أن مدرسة فرويد تفسرها من خلال التجربة الجنسية.

          ويورد فولتير أندرسون ثلاثة قوانين أساسية تميز الانتقال الشفوي للحكاية الشعبية:(14)

 1. قانون التغيير الذاتي: قانون التغيير الذاتي يعني أن يقوم المستمع لمرويات متعددة ومختلفة لحكاية واحدة بصياغة حكاية جديدة تحافظ على المبنى الاساسي للحكاية ويحذف من هذه المرويات ما يلائم المجتمع  الذي تقدم فيه الحكاية.

 2.  قانون التجدد: ويتركز في التغييرات التي قد تحدث في الحكاية كنتيجة لخطأ بشري أو نسيان تفاصيل معينة في الحكاية، أو ربما يكون وراء التغيرات دافع فني من جهة المرسل(الراوي-الكاتب) ومجال التغيير واتساعه متعلق برد فعل المتلقي لهذه التغيرات.

 3.  قانون انتشار الحكاية: تنتشر الحكايات بجهد ذاتي من مكان إلى آخر ومن قطر إلى آخر دون أن تكون حاجة لتقنيات خاصة من قبل البشر لنقلها من مكان لآخر.

          وقد قام الدارسون والباحثون بتقسيم الحكايات الشعبية إلى تقسيمات فرعية، ويرى الدكتور محمود ذهني أنَّ أسباب التقسيمات الفرعية التي طرأت على الحكايات الشعبية مثل الحكاية الخرافية المسلية(حكاية الجان) والحكايات على ألسنة الحيوان، تعود إلى الإتجاه الدقيق للفنون والعلوم التي تهتم بالتدقيق والتخصيص، ولكن العنصر الأصلي في الحكاية واحد أو ثابت، وتتغير من حوله عناصر الربط والشكل والبناء، فتنتج عنها عشرات الحكايات المختلفة من حيث الفكرة والهدف(15). وهناك شبه إجماع بين الباحثين على أشكال خمسة أساسية للحكاية الشعبية وهي الأسطورة، حكاية الألغاز، والمسائل والنوادر والقصص والفكاهة(16) وتلتقي هذه الأشكال فيما بينها وتتداخل.

          أحياناً نجد في الحكاية الخرافية موتيفات دينية رغم أنها لا تعتبر أساطير، كما أن الكثير من موضوعات الخرافات مصدرها تصورات دينية، لذا فالفصل بين الحكاية الخرافية والأسطورة يظل صعباً ويصعب تحديد الفوارق بينهما.

          فالحكاية الشعبية والحكاية الخرافية والأسطورة تتشابه في مواضيعها، لذا لا يمكن اعتبار الموضوع عاملاً يمكن القياس عليه الفرق بين هذه الأجناس، وإذا أفترضنا أن الحكاية الخرافية مركبة الشعبية بسيطة قد نجد الكثير من الحكايات الخرافية والشعبية التي تستثنيها هذه القاعدة، وأما الرأي القائل بأن الحكاية الشعبية تؤخذ مأخذ الحقيقة بينما الخرافة لا يمكن أخذها مأخذ الحقيقة فهذا الفصل  أيضاً غير دقيق لأن الكثير من الحكايات الخرافية فيها لمسات من الواقع والعكس صحيح.

          وإن الدارس للحكايات الشعبية سيلاحظ أن هناك اضطراباً كبيراً في التعامل الإصطلاحي مع الحكايات الشعبية فقد أطلقت على هذا الجنس الأدبي أسماءٌ كثيرة مثل الحكايات الخرافية، الخرافة، الخرافة الشعبية، القصة الخرافية، وبعض الباحثين وضعوا السيرة الشعبية تحت إطار الحكايات الشعبية بل أنهم رأوا بالحكايات الشعبية إطاراً عاماً للأدب الشعبي(17). كما ويشمل مصطلح الحكاية الشعبية Folktale عند بعض الباحثين جميع اشكال المرويات النثرية التي توارثتها الأجيال، سواء كانت شفوية أو مدونة.(18)

          وقد تعددت آراء الباحثين والدارسين حول تعريف الحكاية الشعبية، فعرفها "تومبسون" (Thompson) كل صيغة أو نموذج من الحكايات المكتوبة أو المنطوقة ورثتها الأجيال المتعاقبة أعواماً طويلة(19) ويرى بعض الباحثين أن الحكاية الشعبية هي القصة التي ينسجها الخيال الشعبي حول حدث تاريخي أو بطل يشارك في صنع التاريخ لشعب من الشعوب يستمتع الشعب بروايتها والإستماع إليها، ويورثها الأبناء والأحفاد(20). بينما نبيله إبراهيم تعرف  الحكاية الشعبية "هي الخبر الذي يتصل بحدث قديم يتنقل عن طريق الرواية الشفوية من جيل لآخر، أو هي خلق حر للخيال الشعبي ينسجه حول حوادث مهمة وشخوص ومواقع تاريخية".وتميز نبيلة إبراهيم ما بين الحكاية الشعبية، والحكاية الخرافية، فترى أن الحكاية الخرافية، لا يمكن ربطها بالمجتمع الشعبي الذي عاشت فيه، مما يضع الصعوبات في تحديد تاريخ نشوئها. والحكاية الخرافية أيضاً هي نمط روي في جميع بقاع العالم فهو وليد كل المجتمعات، وهي تعبير رومانسي عن آمال الشعب(21).

          وهناك تعريفات اخرى للخرافة الشعبية فتومبسون(Thompson) يعرّف الخرافة الشعبية "بأنها حكاية مركبة من سلسلة موتيفات، وتدور احداثها في عالم خيالي غير واقعي ويسيطر على احداث الحكاية العجيب والغريب، وفي هذا العالم العجيب ينتصر الضعفاء على الاقوياء ويكثر فيه الحديث عن القصور والممالك والأمراء والأميرات".(22)

          اما سميث(Smith) فيعرف الخرافة الشعبية على أنها حكاية انتقلت إلينا عبر الاجيال وتتميز بوجود بشر حقيقين يعيشون في عالم فوق طبيعي وتدور حياتهم وسط احداث غير طبيعية.(23)

ويتفق من حاولوا تعريف الخرافة الشعبية على نقاط أساسية وهي(24):

 1.  الحكاية الخرافية وصلت الينا عبر الأجيال السابقة.

 2.  الخوارق تلعب دوراً اساسياً في هذه الحكايات.

 3.  الحكاية الخرافية تحدث في اللازمان واللامكان وفق تصورات وقوانين تختلف عن تصورات وقوانين العالم الواقعي.

          وتعتبر الخرافة الشعبية الشكل الأقدم للأدب الخيالي الرومانسي، فهي الأدب غير المكتوب الذي انتجه الانسان القديم والبدائي في جميع بقاع العالم، مما يجعل الحكاية الخرافية تمثل طفولة الأدب في هذا العالم(25). وعبر السنين والأحقاب كانت حكايات الجن والخوارق تتواتر بالرواية الشفوية، غير أن فيها من إغراء جمالي منحها القدرة على أن تنفذ إلى أدب بعض البلاد، فتدون في ثنايا الكتابات الأدبية أو في الملاحم والأخبار والتقاويم(26). وفي السنوات الأخيرة توصل الباحثون إلى أن الحكايات والخرافات الشعبية ليست مجرد حكايات فارغة المضمون أنتجت للتسلية في أوقات الفراغ إنما هي عمل فني يعكس صورة الحضارة التي أنتجته، فيعبر عن آمالها وتخوفاتها وطموحاتها وسلوكياتها الإجتماعية والسياسية والاقتصادية(27).

          وقد نسب الأخوان جريم أصل الحكايات الخرافية إلى العصر الهندوجرماني(28) بينما "تيودور بنفي" (Theodor Benfey) نسب هذه الحكايات -عدا الفابولا(حكاية الحيوان)- إلى بلاد الهند وهذه الحكايات الخرافية كانت في الأصل حكايات بوذية تحكى لأغراض تعليمية، ثم انتشرت في اوروبا في شكل روايات مدونة إما بواسطة العرب عن طريق البيزنطيين، وإما في شكل روايات شفوية مباشرة عن طريق المغول وشعوب شرق اوروبا(29). ويرى "فل أريك بويكارت" أن الحكايات الخرافية نشأت في أحضان الحياة الزراعية الأولى في بلدان الحضارات القديمة في منطقة شرق البحر المتوسط(30).

          إن الحكاية القصصية الخرافية والأساطير كمادة أدبية، كان لها وجودها في تراثنا القديم، وقد تناثرت خيوط الحكايات القصصية، وتعدد نسيجها على ألسنة الرواة مشافهة جيلاً بعد جيل، وتم تدوينها في بطون كتب اللغة والأدب والأخبار وأيام العرب. والحكايات تستهدف فيما تستهدف الأدب التهذيبي للطفل والأدب التعليمي في إطاره النثري من خلال الحكمة والمثل والقصص عن طريق الحكايات بأنواعها، وغالباً ما تحوي الحكايات على شخصيات غير بشرية تحمل صفات الإنسان وتعمل مثله، وامتدت آثار هذه الحكايات من الأدب العربي القديم إلى عصرنا الحاضر(31).

          إن التأليف الخرافي العربي كان موجوداً منذ فترة مبكرة، وتداول الخرافة، وبخاصة في القرنين الثالث والرابع كان شاسعاً، لكنها كانت تشكل في منأى عن الثقافة المتعالية- الثقافة الدينية- التي غيّبتها، وسكتت عنها، فلم تبق سوى أخبار متناثرة تشير إلى وجودها. أما الحكايات الخرافية نفسها، فقد طمست ولا يعرف أمرها، إلا تلك التي اندرجت في ذخائر الخرافة فيما بعد. مثل ألف ليلة وليلة وخرافات الجهشياري. وسهل بن هارون، وعلي بن داؤود العناني. وأحمد بن أبي طاهر، وابن دلان وابن العطار،(32) ويضاف إليها كتب الخرافات الكثيرة التي أوردها ابن النديم في الفن الثالث من المقالة الثامنة تحت عنوان "أسماء خرافات تعرف باللقب ولا نعرف من أمرها غير هذا"(33).

          ولقد ترجم عبد الله ابن المقفع عن الفارسية الأصول الهندية للخرافة المسماة "بنجاتنترا  (الأسفار الخمسة) والمهابهارتا، وسماه كليلة ودمنة، وإن ترجمة كليلة ودمنة وما صاحبها من إضافات قد خصبت الحكاية الخرافية آنذاك، ولا يستبعد أن خرافات الحيوان العربية قد حاكت بعض خرافات هذا الكتاب وحاكى مؤلفوها، ما أراد بيدبا إيصاله إلى دبشليم الملك، وقد حاكى هذا الأسلوب  سهل بن هارون، وإبن ظفر الصقلي، وإبن الهبارية، أخوان الصفا وابن عربشاه فيما بعد"(34).

          ومن أشهر الحكايات الباقية عن التراث العربي حكايات وقصص ألف ليلة وليلة، وحي بن يقظان، وأفكار وعناصر من مقامات بديع الزمان الهمذاني، وكليلة ودمنة وغيرها من النوادر والأمثال الوعظية، والأدب الحكيم أو القصص المسلية، وقد تولدت موضوعات جديدة عن أصول تلك الحكايات العربية الباقية، كذلك أحيت قصص ألف ليلة وليلة موضوع أدب الحيوان فأصبحنا نجد الكثير منه في أدب الأطفال(35).

          إن عدم الإطلاع الكافي على ألف ليلة وليلة من قبل الباحثين أدى بهم إلى استخلاص استنتاجات خاطئة مثل "فرودريش فون ديرلاين"(Fridrich Von Derlain) الذي يقول" ....من هي الشعوب التي تمتلك حقاً موهبة خلق الحكايات الخرافية؟ إنهم في الواقع الهنود والكلتيون. وأما العرب الذين يدين لهم العالم الغربي بحكاياته الخرافية فلم يكونوا سوى ناقلين لها، فقد سبق أن رأينا كيف أن الثروة العربية الأصلية في ألف ليلة وليلة قليلة"(36) وهذا إدعاء غير صحيح لأن دور العرب في الليالي تعدى عملية النقل وأن تأثر العرب بالحكايات الفارسية والهندية لا يعني انهم لم يبدعوا في كتابة ألف ليلة وليلة من جديد خلال عشرات القرون.

          وعندما بدأ الاُهتمام بالحكاية الشعبية في القرن الثامن عشر وما بعده، وأصبح لها منهج مميز لجمعها ودراستها ومتابعة تطورها التاريخي إختلف الباحثون حول وطنها الأصلي، إلا أنها بمضامينها ومحاورها تعتبر خطاً مشتركاً بين الشعوب(37). ولعل الحكاية الشعبية الأثر الوحيد الذي التقت عليه الطبقات ومراحل التطور والعمر، ذلك لأنها تمثل لقاء الماضي بالحاضر، لقاء الكبار بالصغار، لقاء الشرق بالغرب(38).

          وتشكل الحكايات والقصص الشعبية مصدراً هاماً من مصادر أدب الأطفال، ومجالاً خصباً وواسعاً يعتمد عليه أدباء الأطفال في كتابة العديد من القصص والحكايات التي يقرأها الصغار في الكتب أو المجلات أو يسمعونها في الإذاعة المسموعة أو يشاهدونها في الإذاعة المرئية(39). وتعتبر مدرسة فرويد أن الحكايات الشعبية صورة حقيقية لعالم الطفل النفسي والوجداني(40).

          وهناك من القصص الحديثة الخيالية التي كتبها أدباء أطفال معروفون مثل أندرسون(Andersen) قد أصبحت جزءاً من التراث القصصي العالمي، يمكن أن توصف بأنها قصص شعبية(41) وقد شغف الكتّاب بالحكايات الشعبية فقاموا بنقلها للأطفال، ومن أشهر هؤلاء الأخوان "جريم" من المانيا حيث جمعا الحكايات الشعبية وأخرجاها في كتاب بعنوان حكايات الأطفال والمنازل. وصدر الجزء الأول من هذا الكتاب عام 1812 والجزء الثاني عام 1814(42).  أما "أندرسون"(Andersen) فقد حذا حذو الإخوان "جريم" لكنه غير وبدل في الحكايات الشعبية كي تناسب الأطفال، وفي عام 1835 أصدر "أندرسون"(Andersen) الجزء الأول من كتابه أقاصيص وحكايات الجن للأطفال، وضم هذا الجزء عدداً من الحكايات المشهورة المعروفة في أيامنا مثل قصة الأميرة وحبة البازيلاء(43).

          وفي العالم العربي قام الكيلاني بتبسيط حكايات ألف ليلة وليلة، وقدمها للأطفال، وقد سار على هذا النهج الكثير من كتاب الأطفال في العالم العربي.

          وقد تأثرت الحكاية الشعبية بألف ليلة وليلة، حتى أن بعضها كتبت على طريقة ألف ليلة وليلة. فالليالي من القوة الأسلوبية ما جعلت الحكاية اللاحقة لها تحمل طريقتها دون أن تعتمد التركيبية الشاملة لها،  وهي فن متصل الحلقات، متصاعد البناء، فالحكاية أ1 تولد الحكاية ب1، كلتاهما تولدان الحكاية ج1 وثم يبدأ الفن بتوليد الحكاية أ2 و ب2 ثم ج2، وهكذا تجد السلسلة المتولدة الدائرية الحلقات تتسع لتكون بؤر قص يكون التكرار الفني هو الشائع فيها. أما الحكاية الشعبية فأخذت من الليالي بنية الحكاية الواحدة(44). وقد قام الباحث رشدي طعيمه، بإجراء بحث حول مصادر القصص الشعبية في أدب الأطفال في مصر فوجد أن ألف ليلة وليلة تمثل المصدر الرئيسي للقصص الشعبية في التراث العربي، وحسب نتائج البحث فإن 69% من الحكايات الشعبية مصدرها ألف ليلة وليلة ويليها سيف بن ذي يزن 14,5% (45). ويتعدى تأثير ألف ليلة وليلة الزمن وبناء الحلقات الداخلية إلى نوعية الشخصيات والأماكن والمواضع، وإلى الفواصل بين الأجناس وإلى اعتماد السحر والغيبيات والأقدار وإلى اعتماد المثل والحكمة والكناية(46).

          وقد قسم رشدي صالح الحكايات في ألف ليلة وليلة إلى ثلاثة اقسام(47):

أ. الحكاية الشارحة: وهي التي تهدف إلى تفسير صفة من صفات الإنسان والحيوان، أو تفسير ظاهرة طبيعية والتفسير بالأساس يعتمد على إقناع القارىء أكثر من الإهتمام بكونه علمياً.

ب. الحكاية الأخلاقية: وغايتها تثبيت القيم السلوكية الايجابية عن طريق عرض محاسنها أو إظهار مساوىء نقائضها.

ج. الحكاية الإعتقادية: هي ما ترويه ألف ليلة وليلة عن اصحاب القوى الخارقة والجن والسحرة.

وقد قام بعض الباحثين بتقسيم القصص العربي إلى خمسة أنواع وهي(48):

 1. القصص الإخباري.

 2. القصص البطولي.

 3. القصص الديني.

 4. القصص اللغوي.

 5. القصص الفلسفي.

          وسنتطرق في الباب التالي إلى تبسيط هذه الحكايات للأطفال  لكن مما تجدر الإشارة إليه أنه بناء على ما تقدم في هذا الباب أن نخلص إلى نتيجتين أساسيتين:

أ. أن الحكايات الشعبية هي الوطن الأصلي لأدب الأطفال العربي والعالمي.

ب. بناء على ما تقدم من نعريفات للخرافة الشعبية فإن حكايات الليالي في معظمها تعتبر حكايات خرافية أو خرافات شعبية وردت ضمن خرافة شهرزاد التي تشكل حكاية الإطار الكبرى في الليالي.

 

 

هوامش الحكاية الشعبية:

 1. يونس، عبد الحميد. 1973. دفاع عن الفولكلور. القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، ص103.

 2. الذهني، محمود. 1927. الأدب الشعبي العربي. الخرطوم: مطبوعات جامعة القاهرة، ص27. ويحاول المؤلف في الفصل الأول من الكتاب البحث عن تعريف للأدب الشعبي والوقوف على الفرق بين الأدب الشعبي والرسمي، ويخلص في نهاية الفصل إلى أن تراثية التداول أهم ما يميز الأدبي الشعبي عن الأدب الرسمي.

 3. ابراهيم، نبيلة. 1981. أشكال التعبير في الأدب الشعبي. ط3. القاهرة: دار المعارف،ص67.

 4. سرحان، نمر.1974. الحكاية الشعبية الفلسطينية. المؤسسة العربية للدراسات والنشر.

 5. السامرائي، عامر.1964. مباحث في الأدب الشعبي. بغداد: وزارة الثقافة والارشاد،ص15.

 6. Propp, Vladimir, 1968, Morphology of the Folktale, Austin & London.                               

 7. ابراهيم، نبيلة. 1974. قصصنا الشعبي من الرومانسية إلى الواقعية. بيروت: دار العمدة.

 8. Thompson, Stith, 1955-1959, Motif Index of Folk Literature, Copenhagen-Bloomington.

 9. القلماوي، سهير. 1966. ألف ليلة وليلة. القاهرة: دار المعارف.

10.العنتيل، فوزي. 1983. عالم الحكاية الشعبية. الرياض: دار المريخ للطباعة والنشر، ص8-19.

11.الحمداني، حميد. 1993. بنية النص السردي. بيروت: المركز الثقافي العربي للطباعة والنشر، ص24.

12.ن.م. ص25.

13.ن.م. ص26-25.

14. 

15.ذهني، محمود. 1988. " الأطفال والأدب الشعبي".مجلة العربي(مارس 1988)، ص178-179.

16.نجار، نزار. 1994. في أدب الأطفال. دمشق: منشورات اتحاد الكتاب العرب، ص63.

17.يقطين، سعيد. 1997. الكلام والخبر. بيروت: المركز الثقافي العربي، ص99.

18.العنتيل، فوزي. مصدر سابق، ص17.

19.    Thompson, Stith, 1951. The Folktale, New York. p.4.

20.الحديدي، علي. في أدب الأطفال. القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية، ص223.

21.إبراهيم، نبيلة. 1981. أشكال التعبير في الأدب الشعبي. ط3. القاهرة: دار المعارف، ص133.

22.Thompson, S., p.8.   

23.Smith L. H. 1972.  The Vnreluctant Years. N.Y, P46.  

24. 

25.Macculloch, A.I. The Childhood of Fiction, A Study of Folktales and Primitive Thought, London. p.1.                                                                                     

26.الحديدي، علي. 1991. مصدر سابق، ص239.

27. 

28.فريدرش، فون دير لاين. ترجمة نبيلة ابراهيم. 1973. الحكاية الخرافية. بيروت: دار القلم، ص34.

29. ن.م. ص36.

30. ن.م. ص68-69.

31.زلط، احمد. 1990.ادب الطفولة.مصر : الشركه العربيه للنشر والتوزيع، ص49-51.

32.ابراهيم، عبد الله. 1992. السردية العربية. بيروت: المركز الثقافي، ص82.

33.ابن النديم. الفهرست، ص(    ).

34.ابراهيم، عبد الله. مصدر سابق، ص82-83.

35.القلماوي، سهير.مصدر سابق، ص75.

36.فريدرش، فون ديرلاين. مصدر سابق، ص244.

 

Zenauherd and  May Hill Arbuthnot. 1977. Children and Books. 5th. ed

Glenview, Illinais: Scott Foresman and Compay, p.31.                                            

37.يونس، عبد الحميد. مصدر سابق، ص98.

38.دياب، مفتاح. مقدمة في ثقافة أدب الأطفال. القاهرة: الدار الدولية للنشر والتوزيع

39.،  ص152.

40.يوسف، عبد التواب. 1992. الطفل العربي والأدب الشعبي. القاهرة: الدار المصرية اللبنانية، ص12.

41.الحديدي، علي. مصدر سابق، ص226.

42.دياب، مفتاح. مصدر سابق، ص156.

43.ن. م. ص157.

44.النصير، ياسين. مصدر سابق. ص18.

45.طعيمه، رشدي. مصدر سابق. ص202-203.

46.النصير، ياسين. مصدر سابق. ص20.

47.صالح، رشدي. [د.ت.]. ألف ليلة وليلة. القاهرة: دار مطابع الشعب، ج1، ص9-11.

48.سليمان، موسى. 1984. القصص المنقول. بيروت: دار الكتاب اللبناني، ص8.