كيف نؤصِّــل عادة القراءة في أطفالنا قبل المدرسة؟! - د. علي الخبتي

 

كيف نؤصِّــل عادة القراءة في أطفالنا قبل المدرسة؟!

www.balagh.com

د. علي الخبتي
هناك مفهوم سائد لكنه خاطئ مؤداه أن تنمية حب القراءة عند الأطفال وربطهم بالكتاب هي مهمة المدرسة وحدها، ويجب الانتظار إلى حين وصول الطفل سن السادسة ودخوله المدرسة ومعرفته للحروف، ومن ثم يتعلم القراءة ثم يرتبط بالكتاب.. وهذا المفهوم لا يتوقف الإيمان به عند غير المثقفين والمتعلمين بل عند بعض المتخصصين في التربية أيضاً. وقد يضاف إلى هؤلاء بعض المتخصصين في علوم القراءة والكتابة الذين يستغربون ما عرضه الطبيب ميخائيل ميقارلادو في مجلة فوكس أون هيلث في أحد أعدادها تحت عنوان "كيف تربط أبناءك بالكتاب"، والذي أشار فيه إلى أن تعليم الأطفال للقراءة يبدأ منذ بلوغ الطفل سن 6 أشهر..! «لا تفرك عينيك» نعم ستة أشهر.
6 أشهر ويقرأ!
وبدأ الدكتور ميقالاردو مقاله بالسؤال التالي: هل تريد أن تربي قراء جيدين؟ إذن عليك أولاً أن تتعرف على مهارات السرد القصصي للأطفال.. فأسلوب السرد القصصي والقراءة للأطفال ومع الأطفال منذ سن مبكرة له أثر بالغ الفعالية على نمو أطفالك الذهني والوجداني. ووفقاً لأكاديمية الأطفال الأمريكية (
AAP) فإن 5% فقط من الأطفال يقرأ لهم من والديهم. وتشير الأبحاث والدراسات إلى أن القراءة للأطفال في سن مبكرة تبدأ من 6 أشهر مفيد وفعال، مما جعل شخصيات مرموقة تنضم إلى أكاديمية الأطفال التي تتبنى هذا المنهج وتخطط لتعميمه ليصل إلى كل طفل. وفيما يلي سنعرض لبعض الآثار الإيجابية التي تحدثها القصص والكتب على الأطفال.
النوع أهم من الكم
إن الطريقة التي تقرأ بها لأطفالك هي أهم عامل مؤثر على ربطهم بالكتاب، وهي أهم حتى من الكمية التي تقرؤها لهم. فمن المهم أن تشجع طفلك على المشاركة في أثناء القراءة، وإلا فإن استفادته من القراءة ستكون محدودة وستكون شبه منعدمة إذا كان مستمعاً ساكناً.
القراءة الناشطة
وفي دراسة نشرت في دورية «علم نفس النمو» أثبت بعض الباحثين المتخصصين الاستفادة من القراءة "الناشطة" في برنامج خصص للقراءة لأطفال يبلغون عامين. وتقول الدراسة إن القراءة الناشطة تتمثل في إشراك الآباء والأمهات أبناءهم في الحوار الذي يقرؤونه في قصة، وقد حقق الأطفال الذين يندمجون في تلك الحوارات مستويات متقدمة في تنمية الثروة اللغوية. ومشاركة الأبناء تتمثل في دفعهم وتشجيعهم على الاندماج في الحوار.. والتعليق على بعض أحداث القصة أو المادة التي يقرؤونها وتعليق الوالدين على ما يقوله الأطفال عن القصة ومن ثم الثناء على تعليقاتهم ومحاولاتهم، فهذه الخطوات الثلاث هي التي تحقق القراءة الناشطة وهي الطريق إلى تحقيق مزيد من النمو اللغوي. وفي الحقيقة إن القراءة للأطفال دون اندماجهم فيما يقرأ لهم قد يؤدي إلى الملل وفقدان الأطفال الاستمتاع بما يقرأ لهم. إن قراءة القصص للأطفال تجعلهم يكتشفون العالم من حولهم، والسرد القصصي والقراءة أسلوبان فاعلان لتنمية الخيال عند الأطفال، وجعلهم متمكنين من التحكم في بيئتهم والتعرف عليها.
خذ مثلاً هذا السيناريو:
خالد طفل عمره ثلاث سنوات ويلعب في المغطس، وفجأة رأى عنكبوتاً في سقف الحمام، عندها أصيب بالذعر، وصاح لوالده ليقول له وهو مذعور إن هناك عنكبوتاً في الحمام، وإنه خائف منه فأجابه والده: في أحد الأيام كان هناك طفل اسمه خالد، كان يستحم في الحمام، وفي أثناء ذلك جاء عنكبوت لزيارته، قاطعه خالد سائلاً: هل العنكبوت يعض يا أبي؟ وكان لا يزال يبدو عليه الخوف، لكنه مستمتع ومهتم بما يسمع، فأجابه والده أبداً ياخالد إنه عنكبوت طيب، عندها سأل خالد: ماذا سيفعل العنكبوت هنا؟ فأجابه والده: جاء ليسلم علينا فقط، ثم يعود إلى عائلته وذلك ليحمم أطفاله أيضاً. إلى هنا انتهت القصة.
بعدها عاد خالد إلى اللعب في المغطس، وأحياناً كان يقوم بمحادثة وهمية مع كائن حي كان قبل قليل مذعوراً منه بلا سبب حقيقي.
القراءة مع الأطفال عن طريق أسلوب السرد القصصي أو القراءة مع مشاركة الأطفال، تنمي رابطة قوية بين الوالدين والأطفال، وتعزز تأثير الوالدين على الأبناء ذلك التأثير الذي سيؤدي في النهاية إلى تنمية حس عميق ومستمر للتعليم.. وللقراءة.. وكل ذلك يتم عن طريق مشاركة الأبناء والديهم في القصص والكتب.
الفائدة الأكاديمية
أوضحت بعض الدراسات أنه كلما كان هناك تبكير في الثقافة وإثراء خبرات الأطفال بالكتب والقصص قبل المرحلة الابتدائية كان استعدادهم للتعلم والقراءة والكتابة أفضل. ولسوء الحظ فقد أشارت دراسة حديثة نشرت في إبريل من عام 1999م إلى أن حوالي واحد من كل أربعة منازل من ذوي الدخل القليل الذين لديهم أطفال لديهم أقل من عشرة كتب فقط من أي نوع، وللقضاء على هذه المعضلة ومقارعتها، قام الأطباء في طول أمريكا وعرضها بالاشتراك في برنامج "توزيع الكتاب» وذلك من خلال عياداتهم. فكل طفل يزور عيادة أطفال وهو لم يصل بعد سن المرحلة الابتدائية تقدم له هدية من الكتب.
ومن المهم أن تعرف قدرات أبنائك وماذا تتوقع منهم، وما الذي يجب أن تقدمه لهم في كل مرة تقرأ لهم، وإليك بعض الخطوات الهامة:
سمع ابنك الرضيع صوتك، وأعطه كتباً
أولاً: ثبت أن الأطفال يحبون سماع أصوات والديهم حتى لو لم يفهموا ماذا تعني تلك الأصوات، كما أن استخدام طبقات الصوت المختلفة وتعابير الوجه المختلفة أيضاً يساعد الأطفال الصغار على زيادة انتباههم وإطالة فترته. ويجب أن تتاح للطفل الفرصة للإمساك بالكتاب. فهذه الخطوة تمكن الطفل عند بلوغه سنة واحدة من اكتشاف الكتاب كمادة محسوسة، وهذا إنجاز كاف عند هذه السن.
ثانياً: عندما يكمل الطفل السنة الثانية، فإنه من الممكن تشجيعه وأن نطلب منه الإشارة إلى صور وأسماء الأشياء.
المشاركة ثم الوصف
ثالثاً: عندما يبلغ الأطفال سن الثالثة فإنه يمكن دفعهم للمشاركة في قصة تقرأ عليهم، كما يطلب منهم وصف أحداث صفحة واحدة بعد قراءتها لهم.
سرد قصة مبسطة
رابعاً: بعد السنة الرابعة، يستطيع الأطفال تعلم سرد قصة مبسطة، والمشاركة في القراءة والكتابة وذلك ضمن برنامج لعبهم.
التعرف على الحروف والكلمات
خامساً: في سن الخامسة وما فوق فإن الأطفال الذين يعرفون الحروف والأصوات يمكن أن يطلب منهم التعرف على الحروف والكلمات في الصفحة، ويمكن استخدام صور وبطاقات عليها حروف لمساعدة الأطفال على التدرب على مهارات الكتابة.
قراءة تثري الخبرات
وفيما يلي بعض الخطوات التي يمكن أن تجعل من القراءة مادة تعليمية تثري خبرات الأطفال بصرف النظر عن عمر الطفل:
1- يجب حمل الطفل في الحضن في أثناء القراءة وإتاحة الفرصة له للمس الصفحات وتقليبها كأسلوب من أساليب المشاركة.
2- يجب إشراك الطفل وربطه بما يقرأ له عن طريق طرح الأسئلة ذات الإجابات المفتوحة مثل ذلك: ماذا يحدث الآن؟ ما الذي سيحدث بعد ذلك في رأيك؟
3- التخطيط لجعل قراءة كتاب أو قصة حدثاً مميزاً في اليوم، يجب التطلع إليه وانتظاره بفارغ من الصبر. ولهذا يفضل تخصيص ركن خاص في المنزل للقراءة حيث تحضن الابن أو الابنة فيه ليبدأ الحدث المميز.
4- يجب تشجيع الطفل على تمثيل بعض الأدوار في قصص تمت قراءتها معه وتكون مألوفة لديه، ويستخدم فيها بعض ألعابه وبعض موجودات المنزل، وتشجيعه على ذلك لإكسابه سعة الخيال والقدرة على التفكير.
5- وأخيراً وطفلك يتقدم نحو إدراك الرابط بين اللغة المكتوبة والقصص، لا تقلق للأخطاء التي يرتكبها بقدر حرصك على تشجيعه على بذل الجهد والحصول على أفكار جديدة، لأن ذلك هو السبيل لإكسابه القدرة على التفكير والإبداع، وتذكر دائماً أن وراء كل قارئ جيد دعماً من والد أو عطاء من مهتم.
حب القراءة ينبع من البيت
يقول جدسن كلبرث رئيس تحرير مجلة
Scholastic,s Parents and Child Magazine إنه بالرغم من أن المدرسة تلعب دوراً هاماً في تنمية حب القراءة لدى الأطفال إلا أن الوالدين يجب أن يكونوا قدوة لأبنائهم. فإذا لم يكن البيت غنياً ومفعماً بالقراءة مملوءاً بالكتب، فإن ارتباط الأطفال بالقراءة سيكون احتمالاً ضعيفا.ً تعويد الأطفال القراءة يجب أن يبدأ مبكراً وقبل وقت طويل من التحاق الأطفال بالمدارس؛ لأن الدراسات والأبحاث أثبتت أن مهارات القراءة التي تم اكتسابها مبكراً وثبت وجودها لدى أطفال الصف الأول ابتدائي هي نفسها التي يعود إليها ارتفاع درجات القراءة لدى طلاب الصف الثالث الثانوي.
تحدث مع أبنائك
هي مفتاح الثقافة وبواسطة تعلم اللغة يكتسب الأطفال الثروة اللغوية والكلمات المهمة، يجب أن يتحدث الوالدان إلى أبنائهم، حتى صغار السن منهم، ويمكن استخدام الألحان عند الحديث مع الأطفال لجذب انتباههم وضمان استمتاعهم باللغة والصوت، ثم يتم الانتقال تدريجياً إلى محادثتهم، ولابد من تخصيص وقت لهذا الغرض بعيداً عن مقاطعات الراديو والتلفزيون.
قراءة قصة أو مسرحية درامية تعتبر من الطرائق الممتازة في تنمية حب القراءة لدى الأطفال، اجعل طفلك يقرأ معك ويقرأ لك حتى وإن لم يتمكن بعد من إجادة القراءة، ثم اطلب منه أن يعيد عليك القصة بلغته الخاصة، هذه الطريقة تجعل الطفل مرتبطاً بالقراءة وتنمي ثروته اللغوية وقدرته على الاستيعاب.
اقرؤوا لوحات الطرق!
في البداية يتم انتقاء المواد العاطفية التي عادة ما تجذب الأطفال، فقد تنظر إلى الخلف وتتذكر الكتاب أو القصة التي أحببتها وتجد أنها مليئة بالعواطف القوية، ومن المهم انتقاء الكتب التي يوجد بها شخصيات يحبها الأطفال ويودون تقليدها وتقمصها، أو تتحدث عن خبرات وتجارب أو صفات موجودة في أبنائك، كما يمكن استخدام الأساليب والطرائق التي تشكل جزءاً من حياة الأطفال، مثلاً اطلب من أبنائك قراءة ما يكتب على المعلبات ولوحات الطرق، وعندما يكبرون اطلب منهم مشاركتك في قراءة المقالات في الجرائد والمجلات وفي المواضيع التي يحبونها، يجب اصطياد الفرص التي تمكن الوالدين من القراءة للأطفال وتأكد من إحاطة ابنك بالثقافة. يجب التفكير في كل شيء يفسح المجال للقراءة مع الأبناء ويفسح المجال لهم للقراءة بأنفسهم.
الكتاب في كل مكان
يجب أن لا تكون الكتب على الأرفف المرتفعة التي تسمح بتراكم الغبار عليها، يجب أن تكون الكتب في كل مكان يوجد فيه الطفل في المنزل، يجب أن تكون الكتب في المطبخ في غرفة نوم الأطفال، تغطى الكتب بالبلاستيك وتوضع في الحمام (عدا ما تحتوي على الآيات والأحاديث أو ذكر الله) ضع بعض الكتب في السيارة، احمل بعض الكتب إلى الأماكن التي يمكن أن تجبر على قضاء وقت طويل مع ابنك فيها، كالانتظار في المطارات أو الوقوف في صف طويل أو في عيادة الطبيب.
قراءات منوعة
يجب تنويع المواد التي يقرؤها الأطفال فيفترض أن يقرؤوا قصصاً حقيقية، مغامرات.. تاريخ.. وقراءات عاطفية.. الأطفال لا يعرفون الخيارات حتى توضع بين أيديهم ويتعرفون عليها. عندئذ يمكنهم تحديد ما يودون قراءته، لكن عندما تكتشف أن أبناءك منغمسون في قراءة الكوميديا فلا تكبح جماحهم، فإن ذلك يعد مرحلة ستؤدي إلى ربطهم بالكتاب وسينتقلون تلقائياً إلى أنواع أخرى من القراءة، ولن تقتصر قراءتهم إلى الأبد على الكوميديا، بل سينتقلون إلى حب أنواع أخرى من القراءة في وقت ما.. ولمساعدة الأبناء على أن يكونوا "قارئين شاملي الثقافة» لابد من مرافقتهم إلى المكتبة، حدد يوماً ما في الأسبوع لزيارة العائلة إلى المكتبة، إذا تعود الأطفال مثل هذه الزيارات فسينتظرونها بفارغ من الصبر كل أسبوع، حدد وقتاً وسمه «وقت القراءة العائلية».
ويقول جدسن كلبرث إن تلك الأفكار ببساطة قد اقترحتها بعض المدارس وعلمتها للآباء والأمهات، ويضيف أن هذه الحملة قد نجحت وثبتت جذورها بقوة بمساهمة المدارس التي ذهب بعضها إلى أبعد من ذلك