تبسيط مؤلفات الكبار - رافغ يحيى

 

          لقد أشار الباحثون في تقسيماتهم للأدب إلى وجود قسمين رئيسين، أدب الكبار وأدب للصغار ووضعوا المعايير التي تميز أدب الصغار عن أدب الكبار، ومن هذه المعايير اللغة، الحبكة، المضمون، وما يخفي النص، ولكننا قد نقف أمام تساؤل حول هذه المعايير خاصة أن الدراسات التاريخية لأدب الأطفال تشير إلى أن الأطفال قرأوا وأحبوا الكثير من الأعمال الأدبية التي ألفِّت للكبار في الأصل مثل روبنسون كروزو للمؤلف "دانيال ديفو"(Danial Devo)، وقد كتبها عام 1719م. كذلك رحلات جلفر لمؤلفها "جوناثان سويفت"(Gonathan Swift) وقد صدرت عام 1726. وقبل القرن التاسع عشر لم تكن للأطفال كتب ألفت خصيصاً لهم؛ وقد يتعدى الطفل مشكلة اللغة ويفهم كلمات الكتاب الذي يقرأه إلا أن الأيديولوجية التي تختبىء بين صفحات الكتاب يستعصي عليه إدراكها، وما يكتسبه الطفل من قراءاته لكتب الكبار، المتعة واللذة اثناء قراءة سلوك الشخصيات، ومغامراتها. وليس صدفة أن كتابي رحلات جلفر وروبنسون كروزو، ألف ليلة وليلة هي الكتب الأكثر رواجاً بين كتب الكبار في عالم الصغار. فهذه الكتب يسيطر على صفحاتها عنصر المغامرة والغرابة والدهشة." والإتصال مع أدب الكبار ليس حديث العهد فمعظم الحضارات القديمة لم تهتم بتسجيل آداب اطفالها لذاتها، وما وصلنا وهو قليل نادر إنما كان متصلاً بعمل من أعمال الكبار"(1).

          وقد شدت قصة "الإسراء والمعراج" الأطفال وهي قصة دينية وردت في القرآن، ولم توضع للصغار إنما للكبار، وقد أقبل عليها الصغار لقراءتها أو سماعها بلهفة لما تتوفر فيها من عناصر الغرابة والمغامرة.   وقد لا يلعب العامل الديني عندهم ذلك الدور الذي يظنه البعض، فهذه القصة فيها كل العناصر التي  تشد كل الأطفال وإن لم يكونوا مسلمين.

          إن العلاقة بين أدب الكبار والصغار ليست وليدة الصدفة فإذا نظرنا إلى أدب الأطفال من الناحية الفنية نجده مدرجاً في إطار الأدب العام. وتناولنا له يتم من خلال البعدين الذين يرتبط بهما أدب الكبار أيضاً، وهما الجمهور الذي يخاطبه الأديب، والنص الذي يكتبه. وقد يختلف أدب الكبار عن أدب الصغار في الأمور التي تختلف فيها العقليتان والأدراكان، وتلك هي قضايا الذوق والتكنيك.(2)

          وأما نقل مؤلفات الكبار للصغار فقد تم لعدة اسباب. في البداية عانى الأطفال من شح في كتب مخصصة لهم، كما أن إقبال الأطفال على كتب الكبار شجع دور النشر والمؤلفين إلى تبسيط مؤلفات الكبار لهم، خاصة أن أدب الكبار يحوي نماذج أدبية ممتعة من شعر وقصة ومسرحية ممكن أن تقدم للأطفال بإسلوب شيق وجذاب، أضف إلى ذلك أن نقل بعض الأجناس الأدبية كالحكاية والقصة من التراث الشعبي هي محاولة لنقل هذا التراث إلى الأطفال ليتعرفوا عليه، لكن عدم تحديد المراحل العمرية للأطفال أو عدم وجود تقسيم بين أدب الفتيان وأدب الأطفال لفترة طويلة في تاريخ الكتابة للأطفال أدى الى تقديم الكثير من نماذج أدب الكبار للأطفال دون الأخذ بعين الإعتبار ملاءمة هذه النماذج للمراحل العمرية لجيل الطفولة واحتياجاتها.

          أما الفكرة في أدب الكبار فهي إما أن تكون مناسبة للأطفال تماماً أو مناسبة مع بعد التحفظات أو غير مناسبة على الإطلاق، فإذا كانت غير مناسبة فإنها تستبعد من أن تقدم للأطفال مبسطة، وإذا كانت الفكرة مناسبة فعلى الكاتب أن يقوم بتبسيطها للأطفال بواسطة إلغاء بعض الجزئيات التي تكون الفكرة، أما إذا كان إلغاء هذه الجزئيات سيشوه الفكرة، فالكتاب غير مناسب للتبسيط(3). أما الأسلوب الذي كتب فيه أدب الكبار فهو غير مناسب للأطفال في جميع الحالات لأنه كتب بما يتناسب مع الكبار ومستوياتهم اللغوية والنفسية، لذا على كاتب الأطفال أن يعيد صياغة العمل الأدبي وكتابته بحيث يحتفظ بقيمته الفنية كعمل أدبي يتذوقه الطفل بنفس القدر من المتعة والتقدير(4).

          ويعتبر تبسيط أدب الكبار شكلاً من أشكال الترجمة، حيث أن هناك ثلاثَ طرق متعارفاً عليها للترجمة(5)

أ. ترجمة نص إلى نص آخر في اللغة ذاتها.

ب. ترجمة نص إلى نص آخر في لغة أخرى.

ج. ترجمة الكلمات في النص إلى إشارات سيميائية.

          وعند محاوله الترجمة من نص (أ) إلى نص (ب) يجب تفكيك وتركيب نص (أ) من جديد، وفي الوقت ذاته يجب أن نتعامل مع نص (ب) على أنه مستقل له خواصه الحضارية والثقافية، ومن داخل مضامينه وأشكاله ينبغي أن نفسر عملية التركيب الجديدة التي حصلت، ويمكن عرض ترسيمة التبسيط كما يلي:

 

الكاتب(1)                        الكاتب(2)

مرسل(1)            نص أ          مرسل اليه           مرسل          نص ب         مرسل إليه (الطفل).

 

          إن الكاتب الذي تحول من مرسل إليه إلى مرسل سيقوم بتحويل النص من (أ) إلى (ب) حسب مفهومه ل (أ) وهذا يترك انعكاسات على بنية (أ). واذا انطلقنا من كون (أ) هو موروث جماعي ثقافي عام مثل ألف ليلة وليلة على سبيل المثال فانه اثناء عملية التبسيط تحدث عندنا قراءة خاص لنص جماعي، أي أن (ب) (نص الكيلاني المبسط لألف ليلة وليلة) في هذه العملية هو قراءة واحدة، ويمكن أن تكون هناك قراءات أخرى مثل (ب1)، (ب2)، (ب3).

          وفي عملية التبسيط من ألف ليلة وليلة إلى أدب الأطفال نلاحظ أن الكتاب يحاولون نقل مستوى المضمون المقدم للكبار في النص (أ) إلى مستوى يناسب المرسل اليه (الأطفال) في النص (ب)(6) وسنقوم خلال استعراضنا لمحاولات تبسيط الكيلاني لحكايات الليالي بتقديم نماذج لهذا التبسيط.

          ومجموعة حكايات ألف ليلة وليلة من أشهر المؤلفات التي كتبت في الأصل للكبار، ولكنها كانت مصدراً لكثير من قصص الأطفال المشهورة في جميع أنحاء العالم، منذ أن قام بترجمتها إلى اللغة الفرنسية "انتوني جالاند"(Anthony Galan) عام 1704.

          وفي إنجلترا ظهرت الكثير من الأعمال الأدبية التي لم تكتب أصلاً للأطفال، إلا أنها عدت من الأدب الخاص بهم بعد تبسيطها وذلك لما تميزت به من روح المغامرة والتشويق ومن أوائل هذه الكتب رحلة مسافر ومؤلفه "جون بن"(Gohn Benn)(1628-1688)، ولم يضعه مؤلفه أصلاً للأطفال ولكن إدخال بعض التعديلات عليه جعلته من كتب الأطفال المحبوبة في إنجلترا. وكما ذكرنا سابقاً فإن قصتي روبنسون كروزو ورحلات جلفر لم توضعا في الأصل للصغار رغم شهرتهما بينهم. ومن أهم الشخصيات الإنجليزية التي قامت بدور قيادي في تبسيط أدب الكبار وتقديمه للأطفال "جون نيوبري"(Gohn Newbury)(1713-1767). وهو صاحب مكتبة شهيرة عرفت باسمه، إذ قام بتبسيط أدب الكبار للأطفال ليس على مستوى الأدب إنجليزي ولكن على مستوى الآداب الأوروبية فقام بتبسيط مجموعة حكايات أمي الأوزة للكاتب الفرنسي "تشارلز بيرو"، كذلك القصتين السابقتين روبنسون كروزو ورحلات جلفر(7) وغيرهما. كما وقام كل من "تشارلز وماري لامب" في تقديم نماذج من مسرحيات شكسبير للأطفال تحت عنوان Tales From Shakespeare عام 1807 وقامت الهيئة المصرية العامة للكتاب بترجمته للعربية. أما في فرنسا فمن أقدم الأعمال التي بسطت وقدمت للأطفال في فرنسا، تلك الخرافات التي قام بتجميعها لافونتين(Lafontaine)(1621-1695)، وكانت بداية صدورها عام 1664. وهي مجموعة من الحكايات على ألسنة الحيوان(8). ورغم أن مجموعة أمي الأوزة لتشارلز بيرو في القرن السابع عشر تعتبر من بدايات أدب الأطفال في فرنسا والعالم، إلا أنها لم تكتب للأطفال أصلاً، وقد تم تبسيطها لتناسب الأطفال. وفي ألمانيا هناك الكثير من الأعمال التي ظهرت أصلاً للكبار ولكنها لاقت رواجاً لدى الأطفال. ومن هذه المجموعات البوق العجيب، كذلك قام الإخوان "وليم ويعقوب جريم"(Jacob-Wilhalm Grimm)  بجمع حكايات شعبية لحفظها من الضياع ونشرها في كتاب بعنوان حكايات الأطفال والبيوت، وظهر الجزء الثاني عام 1814.

          وفي العالم العربي قاد عملية تبسيط أدب الكبار الكاتب كامل كيلاني(1879-1959) كما قام بتبسيط قصص من الغرب مثل جلفر، وروبنسون كروزو. ونشر له في عام 1934 كتاب بعنوان روائع من قصص الغرب(9). كما وقام الكيلاني بتبسيط حكايات ألف ليلة وليلة وقدمها للأطفال بأسلوب سهل يلائم مراحلهم العمرية، وسار على نهجه عدة كتاب قاموا بتبسيط كتب الكبار للصغار خاصة ألف ليلة وليلة. وقد كان في الآونة الأخيرة مشروعٌ هام لتبسيط أعمال نجيب محفوظ للأطفال بينما قامت دار الفتح العربي بمشروع لنشر سلسلة من الشعر العربي للأطفال مع توضيحات(10)، وقد قامت الهيئة العامة للإستعلامات في القاهرة بتبسيط يوميات نائب في الأرياف لتوفيق الحكيم(11) وحول العالم في 200 يوم للكاتب أنيس منصور(12).

          إن محاولة تبسيط أدب الكبار هي محاولة مباركة إذا كان العمل الأدبي المبسط يسمح بذلك ولا يفقد جوهره إذا بسط، ولكننا نتساءل هل ستظل يوميات نائب في الرياف تحمل شرارتها عندما نبسطها للأطفال؟ ولماذا لا ننتظر حتى يكبر الصغار ويقرأون مؤلفات توفيق الحكيم ويطلعون على ما وراء سطورها! هناك بعض الأعمال التي بسطت ولاقت نجاحاً مثل قصص ألف ليلة وليلة وجوليفر وروبنسون كروزو لأنها تملك معطيات فنية ومضامين تؤهلها لتكون عملاً ناجحاً للأطفال، وهذا لا يعني أننا نستطيع تبسيط كل عمل أدبي وتقديمه للأطفال.

 

(1) الحديدي، علي. 1991. في أدب الأطفال. القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية، ص49-50.

(2) ن. م. ص104.

(3) نجيب، احمد. 1994. أدب الأطفال علم وفن. القاهرة: دار الفكر العربي، ص299-300.

(4) ن. م. ص301.

(5)

(6) جدعون، توري ــــــــــــــــــ.

(7) محفوظ، سهير. 1991. تبسيط أدب الكبار للأطفال. القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، ص14-15.

(8) ن. م. ص16.

(9) ن. م. ص20.

(10)S. Ballas and R.Snir. p.p.104.                                                        

(11) عبد الفتاح، إسماعيل. إعداد. [د.ت]. توفيق الحكيم في يوميات نائب في الأرياف. القاهرة: الهيئة العامة