القصة كوسيلة للتعبير في ظل المعاناة النفسية اعداد - جزيل نحاس

 

   تعتبر القصة وسيلة هامة للتعبير وتخفيف المخاوف والآلام في حالات الضغط النفسي. في مجال عملي في أقسام الأطفال بمستشفيات حيفا أرى من المناسب إعطاء فكرة عن مجالات التعبير عند الأطفال في ظل المرض والألم.

 

   لا شك أن الطفل المعالج في المستشفى يتواجد في إطار ضغط ومعاناة نفسية على شخصيته ومن الأسباب لذلك:

 

 أ - البعد عن البيت والمحيط المألوف الذي يعطي الشعور بالأمان، وتواجد الطفل في محيط غريب (عالم المستشفى) بما فيه من معالجين

     وأدوات أخرى تعطي الشعور بالخوف وعدم الاطمئنان.

 

ب - تحديد تصرفات الطفل الذي تؤدي إلى فقد الاستقلالية والثقة بالنفس.

 

ج- الأوجاع، والعمليات، المرض الذي يفسر عند الأطفال كتهديد أو عقاب عن عمل ما. في هذا الوضع من الضغوطات النفسية على

     الطفل  أن يتأقلم ويجند قواه الداخلية للمواجهه.

 

إستراتيجية التداخل للعلاج بالفنون مبنية على أساس السلوك الإنساني وطرق المواجهة في حالات الضغط النفسي وهي:

 

الإيمان                                      BELIEF                                              

 

الشعور                                     AFFECT

 

المجتمع                                      SOCIETY

 

الخيال                                      IMAGINATION

 

الإدراك العقلي                             COGNITIVE

 

الجسمي                                    PHYSICAL

     

                   

   إن مصادر المواجهة للأطفال هي التي تحدد تصرفاتهم، فمنهم من ينتصر وأخر لا يقوى على المواجهة ويفشل مما يؤدي إلى ظهور تصرفات مرضية مثل تقلبات الأمزجة والعواطف، التراجع في السلوك، الخوف الزائد، عدم المقدرة على التركيز، الأعياء والشكاوى المزمنة. الوسائل العلاجية المختلفة تساعد الأطفال في التعبير عن أحاسيسهم ومواجهة ظروفهم الحالية والعيش مع الواقع بسلام بحيث يتعرف الأطفال على وسائلهم المختلفة للمواجهة والمشي قدمًا بتجنيد وسائل مجابهة جديدة، هذه الوسائل تساعد في مرونة "الأنا" ويصبح الفرد محصناً أمام حالات الشدة والضغوطات النفسية، ويمتنع عن التصلب وعدم المواجهة التي تؤدي إلى طريق مسدود واحياناً للانهيار.

 

   طريقة العلاج بالقصة ترتكز  على الأدب والكلمة. القصة تحفز على التعاطف الذي بدوره هو البدء بالمحادثة بين المعالج والفرد، زيادة على مساعدتها للفرد في المشاركة الحسية، القصة بدورها تحفز الخيال والحلول الخيالية وتعطي الشرعية للأحاسيس المختلفة من ايجابية وسلبية (ألم، خوف،خيبة أمل، محبة، تقارب...الخ). إن التأثر من القصة يعطي المجال للفرد بإظهار أحاسيسه أو إسقاط بعض حاجياته الدفينة التي تساعده في بلورة حلول جديدة، فالنهاية الحسنة في أغلب القصص كالأساطير مثلاً تساعد على التفاؤل ورؤية العالم بمنظار الأمل.

 

   العمل العلاجي يرتكز على الأدب (وفحوى القصة)، يتساعد به ويعطي الإمكانية لبناء قصص ذاتية جديدة،هذه القصص بدورها توصل الفرد لرؤية ذاتية وتحسن الاتصال الداخلي بين الفرد وذاته واتصال خارجي بين الفرد والمجتمع القريب منه.

  العمل العلاجي يهدف إلى معالجة مشاكل شعورية، سلوكية، اجتماعية وجسمية، تسير ضمن الأمور التالية:

 

أ-   الاتصال (كلامي، غير كلامي): أي بناء علاقة وثيقة بين المعالج والفرد. الهدف من ذلك دعم (الأنا)، وزيادة ثقة الطفل بنفسه من

    خلال معرفة القسم، الطاقم المعالج، المرض،نوعية العلاج والبيئة.

 

ب- الرؤية الجسدية والثقة بالنفس: إن رؤية الفرد الإيجابية لذاته والوعي لتداخل الطاقم المعالج لحدود الذات أمر هام في بناء شخصية

     الفرد وثقته بنفسه.

 

ج- الأحاسيس والمشاعر: الشرعية في التعبير عن المشاعر لها أهميتها في تحدي الصعوبات.

 

هنالك عدة أمثلة من الحقل تلقي الضوء على طرق المواجهة:

 

المثال الأول:   بنت لبنانية في التاسعة من عمرها تواجدت في قسم جراحة الدماغ. سردت علي قصتها الأولى:

 

   “ قبعة حمراء على رأس فتاة تساعدها في الوقاية من الشمس، الرياح الشديدة والبرد القارص. كذلك فهي تزينها وتجملها . 

   الخياطة تساعد في تنسيق القبعة لتجعلها قوية، إما الآن فالقبعة تقف أمام المقص الذي يؤذيها ويسبب لها الألم. تحاول بدورها      

   الاقتراب منه ومصادقته حتى لا يقصها ويؤلمها، وفي النهاية تبقى القبعة مزينة لرأس الفتاة الجميلة".

 

للقصة دلائل إسقاطية واضحة لوضع الطفلة الجسدي والنفسي، وتيح المجال للتحدث معها عن المشاعر والترادفات الذهنية MENTAL QSSOCIATION   التي عرفتها بالطرق التالية:

 

خياطة                    مرادف                        لعمل جيد

رياح قوية                مرادف                        مخاوف، أوجاع، وآلام

زينة                      مرادف                        محبة وحنو

المقص                    مرادف                        غرفة العمليات والطاقم المعالج

 

من هذه القصة يمكن على طرق مواجهة الطفلة، حيث أنها تجند الخيال والعلاقة الإنسانية للمواجهة. كذلك فهي تتقبل الواقع ولا تبعد المقص عنها بل تصادقه لتخفف عن آلامها. من هذه القصة بدأت في التسلسل العلاجي لقصص ذاتية أخرى.

 

المثال الثاني:   فتاة في الثانية عشرة من عمرها تواجدت في قسم الأطفال ولديها مشاكل في الكلى (التحضير لزرع كلية). كان الوصول لعالمها الداخلي عن طريق قراءة قطعة من كتاب " الأمير الصغير". THE LITTLE PRINCE   للكاتب أنطون دي سنت، التي تتحدث عن وردة داخل جرس زجاجي. كان رد الفتاة بالكتابة التالية:

 

     (أنا زهرة داخل الجرس الزجاجي، من الصعب علي التواجد في هذا المكان، فالجرس يحجب عني العالم. إني موجودة في سجن

     والظلام يحيط بي من كل جانب).

      بعد أبعاد الجرس عن الزهرة كتبت الفتاة ما يلي:

    (أنا زهرة بلا جرس يضايقني، فرحة برؤية الحياة . أرى الأزهار، الفراشات والعصافير تحيط بي وتداعبني بلطف. كم ما أريده أن

    يتذكرني الأمير الصغير في رحلاته).

 استمرارية العلاج كانت في ايجاد الصلة والربط بين الجرس من جهة المرض والعلاج المستمر، الذي يبعد عن الفتاة الحياة العادية ويمنع عنها الانطلاق وحرية التجوال. من جهة أخرى من هذه البداية انطلقت بالتحدث معها عن المشاعر في ظل المرض، مشاكل التأقلم والمخاوف، وكيف يمكن لهذه الفتاة تحمل المسؤولية لوضعها ضمن معرفة الاهتمامات التي يمكن السيطرة عليها وأخرى لا يمكن السيطرة عليها. ووصلت الفتاة بذلك إلى نتيجة أن هنالك أمور كثيرة يمكن التحكم بها ضمن المرض والعلاج، بعدها استمرت الفتاة في كتابة قصص حول الأمل كرد فعل لقصص سردتها عليها (مثل الحيوانات التي تجلب النور، والفتاة التي تقتل الديناصور).

 

   المثال الثالث: طفل في سن الثامنة تواجد في قسم أمراض الدم. وللوصول إليه كي يتأقلم في القسم سردت عليه قصة الطفل الذي يحضر دبه المريض إلى المستشفى لمعالجته في مستشفى للحيوانات، ومن ضمن سرد القصة سألت الطفل ماذا يعطي الولد للدب حتى يتأقلم في وضعه الجديد؟ وكان رده بكتابة التهليلة الآتية:

 

ايها  الدب                                               لا  تخاف

 

أنت سترتاح                                  بأحسن لحاف

 

أيها الدب العزيز                                       تشجع فهذا هو النصيب

 

هيا قوي من حالك                                    وما تحط الإبرة ببالك

 

إن شاء الله آخر يوم في المستشفى                   تروح إلى البيت وتشفى

 

بهذا تعرفت على مقدرة الطفل في التعبير الشعري، ولدى تحفيزي له كتب عدد قصائد عن المعاناة في ظل مرضه، وقام بعد مرور عدة سنوات بتوزيع مجموعة قصائده الاولى (نقوش على طريق الأمل والإرادة).

من أشعاره في الكتيب لفراق أحد أصدقائه في القسم:

 

                           أين أنت؟

 

أين أنت؟ .. غبت عن الوجود؟

 

ضعت في جماعات ووفود

 

أين أنت؟.. يا أقوى من الأسود

 

هربت من الحبس وفككت القيود

 

أين أنت أريد أن أعرف؟!

 

مصاريف الدنيا عليك سأصرف

 

لو  أعرف

 

مياه  البحر  كلها سأجرف

 

بحثت عنك في الجبال

 

وعلى أعالي التلال

 

على الهضاب.. وما بين السحاب

 

يا حبيب الأحباب .. رد لي الجواب

 

هذه الأمثلة القليلة تلقي الضوء على العالم الداخلي والحسي للأطفال في ظل الألم والضغط النفسي. التعبير بواسطة القصة والكلمة، والرسومات يساعد في إظهار الأحاسيس، واكتساب مهارات للمواجهة والتأقلم. هنالك مثل صيني يقول:

 

  عندما تقدم لجائع سمكة

 

  تشبعه لمرة واحدة

 

  أما عندما تعلمه كيفية الصيد

 

 فبإمكانه إشباع نفسه مدى حياته.


تنشئة الطفل اللغوية