سلّم المفردات ومستويات اللغة - د. فهد أبو خضرة

 

   حين يُطلب منّا أن نحكم على صعوبة أو سهولة أيّ نصّ من النصوص الأدبية أو الفكرية المكتوبة باللغة العربية، سواء كانت موجّهة للكبار أو للصغار، فإننّا نجد أنفسنا مضطرّين للإعتماد على خبراتنا الشخصية وتقديراتنا الذاتية لا غير، وذلك لأنّنا لا نملك حتى الآن أي وسيلة أخرى متّفق عليها تساعدنا في هذا المجال.

 

   وبما أنّ الخبرات الشخصية والتقديرات الذاتية تختلف من شخص إلى آخر، فإنها لا يمكن أن تكون مقبولة للحكم السليم، ولذا لا بدّ من تجاوزها والبحث عن مقاييس موضوعية مقبولة.

 

   في هذه العجالة أودّ  أن أقترح واحداً من هذه المقاييس الموضوعية، وهو مقياس مرن يصلح لقياس مستويات اللغة المستعملة في أيّ نص من النصوص المذكورة أعلاه.

 

   يعتمد هذا المقياس على ما أسميه سلّم المفردات، وهو سلّم ذو أربع درجات، يضمّ المفردات في مستواها المعجمي (والمعجمي فقط) مرتّبة في أربعة أقسام من الأسهل إلى الأصعب.

 

   وهذه الأقسام هي: المفردات السهلة - الجزلة - العالية - الغريبة

 

   وفي ما يلي تعريف موجز لكلّ قسم منها:

   المفردات السهلة هي المفردات التي يفهمها المتلقّي حين يقرأها أو يسمعها، ويستعملها حين يكتب أو يتحدّث باللغة الفصيحة.

 

   المفردات الجزلة هي المفردات التي يفهمها المتلقّي حين يقرأها  أو يسمعها، ولكنه لا يستعملها حين يكتب أو يتحدث باللغة الفصيحة.

 

   المفردات العالية هي المفردات التي لا يفهمها المتلقّي حين يقرأها أو يسمعها، ويحتاج لفهمها إلى مرجع لغوي.

 

   المفردات الغريبة هي المفردات المهجورة التي لا يستعملها الكتّاب المعاصرون إلاّ نادراً جداً. وهي تنقسم إلى فرعين: فرع كان مستعملاً في عصور سابقة باعتباره تابعاً لأحد الأقسام الثلاثة المذكورة أعلاه، وفرع لم يكن منتشراً أو مألوفاً في أيّ عصر من العصور، على الأقلّ منذ أن دوّنت اللغة العربية، وإنّما كان دائماً مهجوراً ونادر الإستعمال.

 

   وبحسب القسم المهيمن في النص، وكميّة المفردات المستمدّة من الأقسام الأخرى، يُحكم على صعوبته أو سهولته.

  

   ولا شكّ أن المستوى المعجمي وحده لا يكفي للحكم الدقيق، وإنّما هو خطوة أولى، ضرورية وهامّة في الإتجاه السليم. وبناء على هذا فإن هناك حاجة ماسّة لأبحاث عديدة تتناول المستويات غير المعجمية للمفردات، وأبحاث أخرى تتناول التركيب، وهي أبحاث تحتاج إلى مؤسسات مختصّة تقوم بها، وإلى ميزانيات ضخمة ترصد لهذا الغرض.ولا أظن باحثاً فرداً يستطيع أن ينهض بذلك على المستوى الشامل المطلوب.

 

   أما المتلقّي الذي يُبنى السلّم على أساس معرفته اللغوية، فهو عند الكبار واحد لا غير، هو المتعلّم المثقّف المتابع للحركة الأدبية والمشارك في الحياة الثقافية بشكل عامّ.

   أما عند التلاميذ فيختلف باختلاف المرحلة الدراسية، من أوّل صفوف الطفولة المبكرة إلى آخر الصفوف الثانوية. ولعلّ التلميذ المتوسط في كل صف يكون هو المتلقّي المناسب الذي يُبنى السلّم على أساس معرفته اللغوية.

 

   ويمكن، للتسهيل فقط، وكخطوة تحسسية أولى، أن نقسم الصفوف المذكورة إلى أربع مراحل، هي: مرحلة الطفولة المبكرة (البستان - الثاني)، المرحلة الإبتدائية (الثالث - السادس)، المرحلة الإعدادية (السابع - التاسع)، المرحلة الثانوية (العاشر - الثاني عشر). في هذه الحالة يكون المتلقّي هو التلميذ المتوسط في كل مرحلة.

 

   ولكي يكون هذا السلم المعتمد دقيقاً، لا بدّ من القيام بأبحاث ميدانية لوضع معجم شامل للكلمات الشائعة عند الكبار، ومعاجم فرعية للكلمات الشائعة في كلّ مرحلة من المراحل الدراسية. ومن الجدير بالذكر أن هذه المعاجم موجودة عند شعوب كثيرة في العالم منذ عقود عديدة. وقد قامت وما زالت تقوم بدور فعّال في كثير من المجالات استعمال اللغة عند تلك الشعوب، كما أنّها ما زالت تحظى بالمتابعة المستمرة والتجديد اللازم. أما عندنا فقد ظهرت محاولات أولية بسيطة منذ ما يقارب خمسين عاماً، ومحاولات جزئية ضيقة منذ ما يقارب عشرين عاماً. وقد كان لها في حينه دور جزئي بسيط، إلا أنها اليوم لا تستطيع أن تقوم بأي دور ما لم توسع وتُحتلن.

 

   ولا شك أن هذه المعاجم، وخاصة الفرعية منها، ستعطى صورة واضحة، لكل من يهمه الأمر، عن العربية المعاصرة في هذه البلاد، وتتيح إمكانية واسعة للمقارنة مع العربية الكلاسيكية من جهة، ومع العربية المعاصرة في الأقطار العربية المختلفة من جهة أخرى، كما أنها ستساعد مؤلفي النصوص الموجهة إلى تلاميذنا على اختيار المفردات المناسبة لهم، إضافة إلى مساعدتها في قياس مستويات اللغة في تلك النصوص بصورة موضوعية أو قريبة من الموضوعية.

 

   اما بالنسبة لمستويات اللغة في النصوص الموجهة إلى التلاميذ فأقترح أن نأخذ بالحسبان أقسام المفردات المذكورة في السلم أعلاه، وأن تكون نسب هذه المفردات في أي مرحلة من المراحل الدراسية مقسمة على النحو التالي: 70 % من المفردات السهلة، 25 % من المفردات الجزلة، 5 % من المفردات العالية، 0 % من المفردات الغربية. وفي رأيي أن هذا التقسم سيجنب التلاميذ في مدارسنا كثيراً من الصعوبات التي يواجهونها اليوم، ويجعل النصوص أقرب إليهم وأحب مما هي اليوم. والحكم النهائي خاضع للتجربة.