شعر الأطفال الغنائي -  د. خالد عزايزة

 

شعر الأطفال الغنائي

 

                                د. خالد عزايزة

 

يتخذ شعر الأطفال أشكالا شتى مختلفة البناء والطابع، فقد يكون الشعر على شكل أغنية أو نشيد وضع بهدف الغناء ويغلب على هذا النص طابع الإنشاد، وقد يكون الشعر على شكل مسرحية يغلب عليها الإلقاء التمثيلي وإن كانت لا تخلو من بعض الأغاني والأناشيد والمقطوعات الملحنة. وهناك القصيدة القصصية التي تتناول قصة شعرية لها حدث محدد، كما نجد في شعر الأطفال لون القصيدة الغنائية التي تخاطب الإحساس والفكر وتتمتع بحركة موسيقية وطاقة ايقاعية.

قد تحتوي الأشكال والأنواع الشعرية مضمونا تعليميا يهدف إلى تزويد الأطفال بالحقائق وبالمعارف والمعلومات وهذا الشعر عرف بالشعر التعليمي، كما نجد في شعر الطفال لونا خاصا وبارزا عرف بأغاني المهد والترقيص وهي الأغاني الخاصة بتنويم الطفل وترقيصه ومداعبته وملاعبته.

في هذا المقال سنركز الحديث على شعر الاطفال الغنائي باعتباره ابرز الألوان الشعرية الخاصة بالأطفال بناء على طبيعة هذا الشعر.

يشكل الشعر الغنائي جزءا كبيرا من التراث الشعري العربي حيث كانت القصيدة العربية الغنائية تتمثل في شعر المدح والرثاء والهجاء والغزل والفخر. هذا الشعر يعتبر شعرا ذاتيا وجدانيا  يرتبط في الأساس بالغناء والموسيقى والعاطفة حيث تطور هذا النوع تبعا لتطور الحضارة الانسانية نفسها وقد دخل فيه عنصر العقل والتفكير.

تخاطب القصائد الغنائية الإحساس والفكر معا وتتمتع هذه القصائد بحركة موسيقية وطاقة إيقاعية وقابلية للإلقاء والحفظ والتلحين إضافة إلى قدرتها على استيعاب مضامين مختلفة. ويعتبر  هذا اللون من أكثر قصائد شعر الأطفال انتشارا لسهولته وبساطته وقصره ولتعدد مضامينه وقابليته للتطور والتكيّف مع روح العصر ومتطلبات الحداثة (سلوم 1968).

 


 

من أبرز أنواع الشعر الغنائي للأطفال نجد أغاني المهد والترقيص، القصائد الفلكلورية والشعبية، الأغنية والنشيد.

 

1.    أغاني المهد والترقيص

 

إن الغناء للأطفال عند الشعوب هو الترنم بالكلمات الموزونة التي تصحب عادة مداعبة الطفل وملاعبته وتحريكه في المهد لينام. وهو جزء من الغناء الفلكلوري العام المجهول النشأة الذي جرى على ألسنة العامة من الناس في الأزمنة القديمة ثم توارثته الأجيال جيل بعد جيل طوال فترة من الزمن امتدت حتى تجاوزت عدة قرون وكانت نشأته مرتبطة بميل الإنسان الطبيعي للغناء (الشلبي 1996).

إن علاقة الطفل بالشعر تبدأ في مرحلة الطفولة المبكرة وربما من مرحلة المهد، حيث يستجيب الطفل للإيقاعات المنظمة المتمثلة بدقات قلب الأم التي يستمع إليها عندما يكون محمولا على صدرها فيشعر بالهدوء والسكينة كما أنه يستجيب إلى الإيقاعات المنظمة المتمثلة في ترانيم محببة ترددها الأم إما طربا إذا كانت للترقيص وإما استسلاما لنوم مريح لذيذ (كنعان 1995).

يقسم الباحثون الغناء للأطفال في هذه المرحلة إلى قسمين.

القسم الأول يعرف بأغاني المهد وهو ما يتصل بتنويم الطفل

والقسم الثاني يعرف بأغاني الترقيص وهو ما يتصل بالملاعبة والمداعبة والتدليل.

تتشابه أغاني المهد والترقيص عند معظم شعوب العالم في أوروبا وفي أفريقيا وفي الدول العربية وعند شعوب البحر الأبيض المتوسط (أبو سعد 1974). من يتتبع دراسة هذه الأغاني عند سائر شعوب العالم يجد أنها تتشابه كذلك في موضوعاتها تشابها كبيرا، إذ أنهامهما تكن لغتها ويكن لحنها فلا بد أن تدور عند جميع الأمهات حول المعاني التالية:

-         الرجاء للولد أن ينام نوما هادئا بحراسة الله والملائكة والرسل وجميع القديسين.

-         إعطاء الوعد للطفل بهدية أو مكافأة.

-         إشعار الطفل بالخوف إذا لم ينم.

-         إبداء الإعجاب بالطفل وتعداد صفاته وبثه الحب.

-         التنبؤ بمستقبل حسن للطفل.

ففي الأردن وفلسطين تغني الأم لطفلها أغنية تعده بها أن تذبح له طير الحمام. لكنها تطمئن الحمام فيما بعد أن لا يخاف فهي مجرد كلمات منغومة يستمتع الطفل بها فينام بهدوء وارتياح (سرحان 1968).

 

نـام يــا ابـني نــام                     نــيمتو بالـعـلية

لأذبــح لك طير الحـمـام              وخفت عليه من الحيّة

يـا حــمــامه لا تخـافي                وهـزّي لو يا صـبية

تتضحك على ابني تاينام             بلكي عاصوتك بينام

 

 

2.    الأغاني الفلكلورية والشعبية

 

الأغنية الفلكلورية أو الأغنية الشعبية هي تجربة فنية صادرة عن إحساس فني في الدرجة الأولى وهي تجربة شعبية لأنها تضرب بجذور بعيدة في وجدان الشعب. فهي التي تفجر ينابيع الولاء والانتماء لهذه الحياة وهي التي تصوغ وجدان الشعب مع فنون أخرى تشكيلية وقولبية وإيقاعية وهذه الأغنية تشكل في وجدان الطفل قوى الانتماء والارتباط بالحياة وتفجر فيه ينابيع الإبداع والابتكار والعطاء (أبو سعد 1974).

تمتاز الأغاني الشعبية ببساطة اللغة والتركيب وهي سهلة من حيث الإيقاع والموسيقية تساعد الطفل على تكرار كلماتها وحفظها. ورغم ذلك فهي مثيرة لخيال الأطفال وتحمل لهم قدرا كبيرا من الأمان وتعبر بصدق عن الحسّ الشعبي الكائن في ضمير المجتمع تجاه الأطفال. هذه الخصائص تجعل الأطفال يحفظون هذه الأغاني التي يتوارثونها من التراث الشعبي جيلا بعد جيل. وهذه الأنماط ترتبط بسّن الطفل وتغنّى من قبل الطفل نفسه وهي ترتبط بفصول السنة وبعض العادات والمواسم والأعياد (الباش 1986).

مثال على ذلك نستشهد بمقاطع من بعض الأغاني الشعبية الشائعة التي ترددت على ألسنة الناس في بلادنا مثل أغنية العيد:

 بكرة  العيد وبـنعيد

وبنذبـح بقرة الــسيد

والسيـد مـالـو بـقره

بنذبح بـنته هـالشقره

والشقره مــا فيها دم

بنذبح بنته بنت العم

 

 وكذلك اغنية المطر:

شتي يا دنيا وزيدي

بيتنا حديدي

عمنا عبدالله

كسر لنا الجره

 

 (انظر مجلة الشرق، حزيران –أيلول 1975، عدد خاص بالفلكلور والتراث الشعبي، حيث مقال محمود عباسي- ملف الأغاني والأهازيج الشعبية)

                                                                     

 

 

3.    الأغنية أو النشيد

 

الأغنية أو النشيد عبارة عن قصيدة شعرية تحكمها قواعد اللغة وتجليات الصورة الشعرية والتقنيات الفنية المتمثلة في موسيقى الوزن والقافية وجرس الكلمات. فالأغنية أو النشيد قبل كل شيء نصّ لكنه نصّ مرتل وفق أنغام ودرجات صوتية وضوابط موسيقية (الشلبي 1996).

تمتاز الأغنية بالبساطة وجمال الإيقاع والانسياب وخروجها عن التركيبات الشعرية الصعبة. كذلك تشتمل الأغنية على الصور البسيطة القابلة للترديد والتكرار حيث نجد في بعضها توفر اللازمة التي تتكرر بعد كل مقطع من مقاطع الأغنية. أما من حيث النوع فتقسم الأغاني والأناشيد إلى عدة أنواع منها: النشيد الديني وهو النشيد الذي يركز على تعليم الطفل العقيدة الدينية ويقوم الأطفال بترتيل هذه الأناشيد وحفظها غيبا...

-         النشيد الوطني وهذا النوع يتصف بصبغة الوطنية ويحث الطفل التعلق بوطنه والاعتزاز به والمحافظة عليه.

-         النشيد الاجتماعي وهو النشيد الذي يركز على تنمية الروح الاجتماعية ويسعى إلى تنظيم الحياة الاجتماعية للأطفال.

-         النشيد الترفيهي وهو الذي يسعى إلى إدخال البهجة والسرور إلى قلوب الأطفال بالترفيه والتسلية والإمتاع.

-  النشيد الوصفي (أبو معال 1968).

وهو النشيد الذي يركز على حب الطبيعة وبيان جمالها وفوائدها ومحاسنها.

مثال على هذا النوع نستشهد بأغنية "عرس الربيع" التي نظمها الشاعر (حنا أبو حنا 1999) ضمن المجموعة الشعرية التي أصدرها التلفزيون التربوي بعنوان "أغاني غصن الزيتون":

 

(لازمة):

     جاءت جموع الزهور              تشهد عرس الربيع

     تلبس أحلى الثياب                 من كلّ لون بديع

(فوج الشقائق):

     فوج الشقائق هذا                             الجسم والثوب أخضر

     والعين سوداء لكن                 الخدّ أحمر أحمر

(فوج النرجس):

     والنرجس الحلو آت                الجسم والثّوب أخضر

     والوجه أبيض لكن                 عليه تاج أصفر...

(أفواج اخرى):

     وأي زهر هذا                      عيونه زرقاء..؟

     وأي فوج هذا                       جموعه صفراء..؟

 

     نادى الربيع فلبّت                  كلّ الزّهور النّداء

هيّا لكي تعرفوها                             وتعرفوا الأسماء

 

 

 

 

مما يثبت أن هذه النصوص الشعرية قابلة للنشيد والغناء لما تتضمنه من بساطة وجمال في الايقاع فقد أنتج التلفزيون التربوي شريطا غنائيا متلفزا يتضمن جميع القصائد التي نظمها الشاعر حنا ابو حنا خصيصا لبرنامج غصن الزيتون. هذا الشريط يتوفر في المراكز التربوية التابعة لوزارة المعارف تحت رقم 23-25.

حول القصائد المغناة صدر كتاب "غصن الزيتون" مرشد للمعلم (عزايزة وآخرون 1997). كذلك توجد مادة تحليلية وأسلوبية حول هذه الأغاني وردت في كتاب التلفزيون والتربية اللغوية بين النظرية والتطبيق (عزايزة 2002).


 

المصادر

 

* أبو حنا،حنا (1999) أغاني غصن الزيتون، قصائد غنائية متلفزة، التلفزيون التربوي – تل أبيب.

 

* الباش، حسن (1986) اغاني وألعاب الاطفال في التراث الشعبي  الفلسطيني- دمشق.

 

* أبو السعد، أحمد (1974) أغاني ترقيص الاطفال – بيروت.

 

* أبو معال، عبد الفتاح (1986) دراسات في أناشيد الاطفال وأغانيهم - عمان.

 

* سرحان، نمر (1986) أغانينا الشعبية في الضفة الغربية- عمان.

 

* سلوم، فاروق (1986) الكتابة على صفحة بيضاء- بغداد.

 

* الشلبي، محمود (1996) نصوص أغاني الاطفال في الاشكال والمضمون في كتاب دراسات في أغنية الطفل- عمان.

 

* عباسي، محمود (1975) ملف الاغاني والاهازيج، مجلة الشرق عدد 1-4 – القدس.

 

* عزايزة، خالد وآخرون (1997)غصن الزيتون، مرشد لمعلمات رياض الاطفال والصفوف الدنيا، التلفزيون التربوي- تل ابيب.

 

* عزايزة، خالد (2002) التلفزيون والتربية اللغوية بين النظرية والتطبيق، اصدارالكلية الأكاديمية العربية للتربية في اسرائيل- حيفا. ص71-76، ص166-188.

 

* كنعان، أحمد علي (1995)أدب الاطفال والقيم التربوية- دمشق.