قصيدة الأطفال الجديدة ديوان "أناأحلم"(1)،للشاعر د.نعيم عرايدي*-أنموذجاً - بقلم: رافع يحيى

 

قصيدة الأطفال الجديدة:

 

ديوان "أناأحلم"(1)،للشاعر

د.نعيم عرايدي*-أنموذجاً

بقلم: رافع يحيى**

1. مقدمة:

          " إن نجاح شعر الأطفال وجودته يمكن الحكم عليها من خلال ربط تجربة الشاعر وخبراته بتجربة الصغار وخبراتهم، وذلك ضمن قالب شعري يثير عواطفهم وخيالاتهم ويخاطب أفكارهم وقدراتهم العقلية والإنفعالية والنّفسيّة، وهذا لا يتأنى لشاعر الأطفال إلاّ بعد معايشة الأطفال والإطّلاع على واقعهم والاختلاط بعالمهم الخاص بهم".(2) وإذا ما استعرضنا الشعر المقدم للأطفال في العالم العربي سنجد أنه كالنص النثري تعامل مع ثلاثة أنواع من القيم أ. الأخلاقية ب الجسمانية ج. المعرفية الثقافية(3)، لكننا نشهد في السنوات الأخيرة اهتماماً كبيراً في سبر أغوار الطفل. والمجموعة الشعرية "أنا أحلم" محاولة بارزة من بين هذه المحاولات التي تحاول تقديم قصائد جديدة للأطفال.

          إن القارىء لقصائد الديوان سيلمس من القراءة الأولى أنه أمام محاولة شاعرية لفهم كنهِ الطفل من خلال الغوص في لاوعيه (عقله الباطني). وبعد هذا الغوص- الذي يكشف عن توجه خاص حذر في سبيل اقتناص الرؤية الشعرية الشفّافة- نقف نحن أمام رؤية متأنية عميقة تثير فينا الكثير من التساؤلات حول ماهية نفس الطفل الغامضة الشفّافة. خاصة أن معظم قصائد الديوان تطلق أنفاسها الحارّة بعيداً عن براثين المضامين المكررة والمبتذلة في عالم الطّفولة!

          وفي هذه الدراسة سنقوم بتفكيك القصائد قالباً ومضموناً حتى نجيب على السؤال الكبير، هل هذه القصائد مناسبة وممتعة للطفل( المتلقي)؟ كما وسنعرض من خلال هذا التفكيك أهم مظاهر قصيدة الأطفال الجديدة.

 

2.    صور الأطفال الملونة في الديوان:

·   الطفل النبي : الطفولة صفحة بيضاء ، والطّفل هو الفراشة التي نذرت نفسها لتمنح الأرض جمالاً  ومزيدًا من الأزهار ، ففي قصيدة صلاة – وهي القصيدة التي يفتتح فيها الشاعر عرايدي ديوانه – يدعو الطفل ربّه أن يحفظ والديه وجميع الناس  وأن يحميه في درب الحياة . وأن يمنحه خصلة العفو عن الأعداء . وفي نهاية القصيدة يسعى الطفل إلى خلق عالمٍ طافحٍ بالحب :

" يا ربي / أرشدني / أرشد كل احبائي / أن نملأ الحياة / بالحب / يا ربيّ .. "

وفي هذا السياق نؤكّد أن قصيدة صلاة هي القصيدة الوحيدة التي تبرز رغبة الطفل في خلع ثياب الذات والانطلاق نحو الآخر .

 

·   الطفل الرافض للسُّلطة : يقول الكاتب جبرائيل ماركيز في مذكّراته لقد جئت إلى هذا العالم لأقول لا . . . والإنسان بطبعه رافض لقوى الوجود ، ويعتبرها قيودًا فرضت عليه ، تمنعه من دخول مساحات وحقولٍ على شوق تنتظره وينتظرها . . ففي قصيدة  " أنا طفل " يَرِدُ المقطع التالي :        

" أنا طفل / يحسبني الناس ضعيفًا / لكني . . / في الواقع جَبّار "

وهذا المقطع الذي يعبّر عن القوّة الكامنه في أعماق الطفل ، يمهِّد لمقطع آخر في نفس القصيدة يقول فيه الشاعر :

" أنا طفل / أهوى أحيانا / ما يكرهه الاهل / كاللعب / على الرمل . . وحتّى / في مستنقع وحل "

في هذا المقطع يتجلى المرغوب في عالم الطفل والممنوع بأمرٍ من الكبار .

 

·   الطفل المُعاقَب : إن قضية الثواب والعقاب تلعب دورًا هامًا في حياة الطفل على المستوى النفسي والتربوي والعقلي ، وفي قصيدة عقاب يكشف الطفل عن مأساته حين يقول :

" يعاقبني أبي / لو رحت ألهو / في التراب "

والعقاب هنا بسبب ممارسة وجدانية .

وفي مقطع آخر يقول :

" تعاقبني / إذا أخطأت ، أمي / أو تأخرت قليلاً / في دروسي / وخصوصًا /

في الحساب "

العقاب هنا بسبب ممارسة فكرية . . .

وماذا يفعل الأطفال حين يعاقبون ، إِمّا يعبرون عن ذلك في وعيهم فيبكون

كما ورد في قصيدة " أنا طفل " :

أنا طفل / أبكي أحيانا /  لو ضربتني في الصف معلمتي "

أو يخزنون ذلك في عقلهم الباطني كما ورد في قصيدة عقاب "

" فهل حقًًا / سأبقى حاملاً / في الليل خوفي / والكتاب ؟ !"

·   طفل اللاوعي : إن الأحلام عادة تحتوي على مضامين مكبوتة تظهر فيها بصورة مشفّره ، فكل ما يختزنه الطفل من عذاب وخوف وحرمان خلال النهار يعبر عنه بصور مختلفة في الأحلام  . . . والطفل في قصيدة " أحلم " يعيش في ليل الكوابيس تسيطر عليه الأحلام المزعجة ، فمن هي الشخصيات المزعجة التي تزور الطفل في أحلامه في قصيدة أحلم ؟

كلب أسود / صديق يسرق الألعاب والأعياد / لص / وحش / غول .

وإِذا ما بحثنا عن تصنيف لهذه الشخصيات حسب مكانتها وقربها من عالم

الطفل سنجد كما يلي :

·       البيئة البشرية القريبة – الصديق .

·       البيئة الحيوانية القريبة – الكلب .

·       العالم المتخيل القريب – اللص .

·       العالم الخرافي البعيد – الوحش .

·       وهذه العوالم مجتمعة تُدخل الرعب والفزع لقلب الطفل ووجدانِه ويمكن تقسيمها إلى ثلاثة أقسام رئيسيِة :

 

عالم الواقع

عالم الخيال

عالم الخيال والواقع

الصديق

الوحش

اللص

الكلب

الغول

 

 

إذا  دخل الطفل عالم الواقع بحثاً عن السعادة فإنه لن يجدها ، بل سيجد أقرب رفيقين (الصديق والكلب) يسيئان إليه وإذا ما حَلَّق في عالم الخيال فإنه يواجه وحشًا ويصارع غولاً . وأين السعادة في لقاء  هذين ؟ !! وعندما يمزج الطفل بين الواقع والخيال يبتدع لصّا يقفز من النافذة ليسرق منه حلمًا جميلاً .

كل ما ذكر أعلاه يقودنا لحقيقة ساطعة بأن الطفل ينام في ليل الكوابيس ، وهذا نتيجة حرمان وعذاب يجتاحان نفسه خلال ساعات النهار لا يستطيع أن يعبر عنهما، ولا ينقذه من هذه الكوابيس إلا وجود  والديه بقربه، كما جاء في نفس القصيدة :

" أتمنى لو تدخل أمي / أتمنى / لو يدخل في الحال أبي / كي لا أبقى وحدي في الغرفة "

·   الطفل الخائف : عنصر الخوف صفة ملازمة للطفل ، وفي هذا الديوان يتجلى الخوف في عدة قصائد ففي قصيدة "أمي" يقول الطفل :

" كلما خفت كثيرًا / أو قليلاً / هل أنادي / غير أمي . وفي قصيدة "  أحلم " يسيطر الخوف على كلمات القصيدة وفي هذه القصائد نرى أن الوالدين هما الملجأ من الخوف أي أن الشاعر يكرر مرة أخرى موتيف البيت ( الأب / الأم ) كمصدر للأمان العاطفي عند الطفل . .

·   طفل المعقول :   هو ذلك الطفل الذي يبدي نضجًا يرفض من خلاله قبول ما لا يصدّق وما هو غير مقنع ، فهو طفل يرى الأمور بواقعية ، ففي قصيدة  الغول : تخوفّه الأم بالغول، فيقول الطفل : " أنا اعرف / أنّ الغول / هو شيء / مش معقول . وهو طفل العصر الحديث الذي يعيش الحقائق والوقائع العلمية، ويرفض ما هو عدا ذلك . . .

·   الطفل المبدع :   إنّ كل طفل مبدع ، وكل حركة جديدة يقوم بها أو كلمة ينطقها نعتبرها قفزة إبداعية نفرح بها ، ونرحّب بها . وهذا الطفل يشعر أن هذه الدنيا أصغر من أحلامه لذا يسعى إلى البحث عن عوالم جديدة لتحقيقها وقد عُبِّر عنها بشكل رائع في قصيدة " أنا الصّغير " حيث يؤكد الطفل أنه يملك الأقارب والأهل، لكنه يستدرك فيقول: " مع قطتي / مع لعبتي / أريد أن أطير ! " .

·   طفل الأنويّة : إن الطفل يسعى دائماً بشكل فطري أن يكون محور الكون فالأنويّه المفرطة تسيطر عليه ولا يأخذ الآخر بعين الاعتبار ، وقد صقل الشاعر هذا التوجه في قصيدة " أنت صديقي " إذ يبرز حب الطفل لبناء عالم تحركه خيوط تنطلق من أصابعه  فكل ما يفرحه جميل ، وكل ما يتعسه قبيح وموقف الطفل في هذه القصيدة أشبه بموقف الأميرة الصغيرة التي ترى أن العالم خلق ليخدمها وليسير حسب ما تشتهيه ذبذبات نفسها ففي قصيدة " اكثر " يقول الطفل : أكثر الأشياء التي أحبها هي التي أنتصر عليها ، وتخدمني ، وتسعى لإسعادي . 

 

·   طفل الوجودية:  إن الطفل دائمًا يسأل أسئلة وجودية قد يجد من يجيبه عليها ، وقد يتملّص البعض من الإجابة عليها . وقد برز هذا التوجه في قصيدة " مات جدي " إذ  يتساءل الطفل حول سر اختفاء الجد ، وهذا يقوده إلى الغوص في قضيّة الموت .

" كيف يعني / أنني ما عدت / ألقاه إذا يومًا / أتاني الشّوق / وانزاح الستار ؟!

وموتيف الموت كموتيف الجنس يكاد يكون نادراً في أدب الأطفال العربي في البلاد. 

 

 

 

 

 

 

3.    الموسيقى الداخلية للقصائد:

" الأطفال ايقاعيون بالفطرة، ويحبون الكلام المنغوم، إنهم ومنذ بداية الأيام الاولى من حياتهم ينامون على أصوات أمهاتهم وهنّ يرددن كلاماً ذا نغم محبب إلى أنفسهم" والموسيقى الداخلية للقصائد تعتمد على عدّة عناصر.(4)

 أ. القافية: لقد اعتمد عرايدي في قصائده على صياغة أسطر مقفاة، ولكنها تعتمد على التنويع السريع للقافية(حرف الروي) باستثناء قصيدتي "صلاة" و" أكثر"، اللتين اعتمد فيهما على حرف روي واحد. ورغم أن القوافي في الديوان متنوعة إلا أنها نجحت في منح الديوان موسيقى جذابة، ولكن لا بد من الإشارة هنا إلى قضية تسكين حرف الروي، أحياناً يوجب الوزن ذلك حتى يسلم، لكن على الشاعر تجنبه قدر الإمكان لأنه في بعض الاحيان يفوّت فرصة الاستمتاع الفني والسمعي على الطفل/ القارىء ففي قصيدة " أنا طفل". يقول الشاعر:

          أنا طفل / أهوى أحياناً/ ما يكرهه الأهْلْ/. وفي مقطع آخر في نفس القصيدة يقول: أهوى أحياناً/ ما يكرهه الأهْلْ/. إن تسكين الحرفين الأخيرين في كلمة أهل يولدّ صعوبة فنية وتذوقية عند القارىء/ الطفل…وهذا التسكين نلمسه أيضاً في قصيدة "الغول": " فأنا أعرف/ أن الغولْ/. إن تسكين الغول يضغط على التناسق اللفظي للكلمات لدى الطفل القارىء.

          ب.السطر الايقاعي القصير : يجب أن يكون شعر الأطفال متكئاً على السطر الشعري القصير ذي الايقاع السريع. وفي معظم قصائد الديوان ينجح الشاعر في نظم ونسج سطر قصير ذي ايقاع سريع، لكنه يخفف في ذلك في بعض المقاطع ففي قصيدة " أنت صديقي" يقول: 

          إن اخلصت إليّ كثيراً/[ …]/ حتى ان كان غريباً/ […]/ حتى لو أغضبت شقيقي/. في هذه الأسطر يبتعد الشاعر عن السطر القصير و الايقاع السريع، وشفافية الشعر   ليقترب من النثر العادي. ونلمس هذا التوجه النثري واضحاً في أحد مقاطع "أنا طفل": لكني…/ في الواقع الجبار… إن الإستدراك وشبه الجملة"في الواقع" كان يمكن استبدالهما بكلمات أكثر شاعرية حتى لا يسقط المقطع في شباك النثر.

ج. التكرار: إن التكرار في الشعر الحديث له عدة وظائف من أهمها تسليط الأضواء على الفكرة المحورية في لب القصيدة كما يهدف لمنح القصيدة موسيقى داخلية تناغمية تعوضها عن فقدان القافية الواحدة ، وقد وظّف الشاعر هذه التقنيّة في قصائد الديوان فكرر المفردات والمعاني مما يمنح القصيدة موسيقى داخلية تتيح للطفل أن يتفاعل مع ذبذباتها ففي قصيدة " أنا طفل" : تتكرر العبارة " أنا طفل" سبع مرات. وتتكرر عبارة "يا أمي" في قصيدة "أحلم" سبع مرات، بينما تكررت كلمة " ليل" في القصيدة ذاتها ثماني مرات والظاهرة ذاتها نلمسها في قصيدة "صلاة" إذ تتكرر كلمة  "ربي" سبع مرات.

د. التجنيس الحرفي: هذا التكنيك الفنّي عبارة عن تكرار الحروف أو حروف ذات دلالة موسيقية واحدة  في المقاطع أو في القصيدة، وهذا يمنح القصيدة موسيقى داخلية، ويمنحها وتيرة تناغمية. ويبرز هذا التكنيك في قصيدة" احلم" اذ يسيطر حرف اللام على أسطر القصيدة.كما تجلى في المقطع التالي أخاف كثيراً/ في الليل/ أن يدخل لص/ يسرق لي/حلماً حلواً احلمه/ كالنحلة في قرص العسل/. كما تتكرر في نفس المقطع الحروف الخاء، والحاء، والسين، الصاد، وهي حروف تكررت أيضاً في نفس القصيدة..

هـ. ديمومة الفعل المضارع: إن الفعل المضارع يسيطر على وريد الزمن في الديوان وهذا ما يبوح به عنوانه أيضاً. وكما هو معروف إن الفعل المضارع يمتلك خصوصية في إعطاء الفعل توهج الحاضر وواقعية المستقبل، وهاتان الميزتان في الفعل من شأنهما منح (النص) القصيدة استمرارية وحياة. فالامر فعل رديء في شعر الصغار لأنه يحمل معنى فرض الأوامر ، وهذا التوجه يكرهه الصغار كما أن طبيعة فعل الأمر قد تحمل معنى المباشرة أيضاً، أما الفعل الماضي فيحمل في معاطفه حقولاً فسيحة من الذكريات والنوسطالجيا والحنين، وهذا الحيز غير موجود ومتوفر في عالم الطفل لأنه ما يزال يعيش المرحلة. وقد نجح الشاعر عرايدي  بإنقاذ الديوان من عقارب الماضي وجبروت الأمر، وقدّم قصائده تحت لواء فعل المضارع مما منح القصائد خفقات حية وصوراً متحركة رائعة شكلّت في حضورها النهائي مشهداً مرئياً رائعاً يتحرك أمام عيوننا المتلذذة كلما تفتّح النص أكثر ففي قصيدة" أحلم" يرسم لنا المشهد التالي: وأرى/ في النوم صديقاً/ يا أمي/ يسرقني… يسرق لي/ كل الأعياد!/.

4.  عنصر الدراما: إن أدب الأطفال يسعى ويميل إلى خلق عنصر التفاؤل عند الطفل، ويسعى لمنحه الامان الروحاني والعاطفي على حدّ سواء. وإن كان أطفال ديوان "انا احلم" يسافرون في رحلة البحث عن هذا الأمان، فإن بعض القصائد تبوح بدرامية قاسية بشعة يعيشها الطفل في الليل في غياهيب العقل الباطني الامر الذي يسلب منه لحظات الفرح والسرور خاصةً قصيدتي" احلم" و"مات جدي" ومن شأن هذه الدراما ان تُطَهِّر الطفل من ضغوطات مكبوتة في داخله (كاتارزيس) خاصة أن  الشخص المتكلم هو الطفل، مما يسهّل عملية التماثل والإسقاط بين القارىء (الطفل) والقصيدة. هذا وقد أنقذ عنصر الدراما ببراعة وخفة متميزين القارىء الصغير من الملل في قصيدة " احلم" بسبب طولها، وهي أطول قصائد الديوان.

5.    الايهام الشعري: يوظف الشاعر في الديوان الايهام الشعري. وهو توظيف يدفعنا إلى الإعتقاد والإحساس بأن الأطفال هم الذين كتبوا هذه الكلمات، ونثروا هذه الأفكار، فجميع قصائد الديوان تنطلق من حنجرة ضمير المتكلم أنا ( الطفل) ويكتمل هذا الايهام حينما تكون القصائد صادقة في حديثها عن هموم النفس وأفراحها وتنجح في سبر أغوارها. ولعل اختيار المرادفات السهلة، وتكرار بعض الكلمات والمعاني يعزّز حضور هذا الايهام. وهذا يسهل على القارىء الصغير التمّاثل والتّفاعل مع أجواء القصيدة…

6.  اللغة التصويرية: لقد أبدع الشاعر في تصوير مشاعر الطفل المكبوتة في قصيدة" أحلم" "انا طفل" إذ يترجمها لصورٍ مرعبة وحش/ غول/ لص/ كلب أسود ونجح في الإبتعاد في كثير من المقاطع عن الصور المجردة الذهنيّة، خاصة أن ذهنية الطفل أصغر من أن تدرك خفايا هذه التجربة الذهنية لأنّها ذهنّية تفكّر بالصور. وكل بيت شعر أو سطر شعري يجب أن يخلق أو ينشىء صورة فيها . إن الحركة والصّور تبرز في الديوان، لكن هناك مقاطع وعبارات لا تولد صوراً. مثل:

·       انزاح الستار: قصيدة"مات جدي.

·       كيف أجابه اهوائي: قصيدة "صلاة"

·       أحمل في نفسي ذاتي: قصيدة"أنا طفل"

·       أحمل في قلبي ورداً لينمي في دربي الأزهار: "أنا طفل"

·       مثلما يشتاق الليل للنهار: قصيدة "مات جدي"

إنّ هذه التعابير والصّور الذهنية تذكرنا بالشاعر نعيم عرايدي، شاعر الكبار، لأن حس مخاطبة الكبار طغى على خصوصية الديوان الطفولية.

7.  غياب الحوار: إن أصدق ما يؤكد سيطرة الذات على مضامين قصائد الديوان هو غياب الحوار، فمعظم دواوين الأطفال تحتوي علىحوار واحد على الأقل مع الطبيعة بكافة جمالياتها وكائناتها المتعددة، أو مع بني البشر على اختلاف أعمارهم وأجناسهم ومواقعهم، لكن الحوار كان مفقوداً مغيباً في كل هذا الديوان، وهذا الغياب له ما يبّرره وأظن أنه جاء بصورة تلقائية فحين تحتل الذات مساحات الديوان لا يتبقّى للحوار امكانية القيام بمهمة زرع الاصوات المتعددة المتحاورة . وهذا دليل على أن الذّات المكتملة في الديوان لا تهتم بما يفعله  الآخر او يقوله،( باستثناء قصيدة صلاة) ما دام عمل الآخر وقوله ليس لهما علاقة بسعادة الذات.

خلاصة: نحن في بعض قصائد الديوان أمام قصيدة جديدة تمثل التيّار الجديد في شعر أدب الأطفال، وهو تيّار يسعى إلى سبر أغوار العقل الباطني وتحسس  أيقوناته وذبذباته وتحويلها إلى كلمات تكون غامضة واضحة في الآن ذاته، شفافة قاسية يقرأها الطفل، ليس بهدف الغناء أو التأمل وحده إنما من أجل أن يستريح من الضّغوطات النفسية المكبوتة في داخله، كما أن هذه القصائد من شأنها أن تكون مرآة للطفل لا يرى فيها وجهه لكنه يرى فيها عقله الباطني، وهذه المزايا تسحر الطفل ليقف أمامها طويلاً، إن لم تكن مهشمة مكسوة بالغبار. ومعظم قصائد ديوان "أنا احلم" ومقاطعه مرايا سحرية رائعة تغرد خارج السرب. تنمي الذاتية الفردية للطفل ولا تقمعها.

 

 

 

الهوامش:

1. عرايدي، نعيم. [د.ت]. أنا أحلم. حيفا: دار الهدى للطباعة والنشر. الرسومات بريشة الفنانة ايرينا كركبي من حيفا. وعلمنا من الشاعر عرايدي أن الديوان صدر في عام 1999، مما اقتضى التنويه.

*الشاعر د. نعيم عرايدي: من مواليد قرية المغار. محاضر ومدير مركز أدب الأطفال العربي في اسرائيل. صدر له عدد من الاعمال الأدبية والنقدية للكبار والصغار.

** رافع يحيى: من مواليد قرية اكسال يعمل محاضراً لأدب الأطفال واللغة العربية في الكلية العربية للتربية- حيفا. صدر له عدد من الاعمال الأدبية والنقدية للكبار والصغار.

2. شبلول، أحمد. 1996. جماليات النص الشعري للأطفال. ط1 . القاهرة: الشركة العربية للنشر والتوزيع، ص242.

3. لقد قام د. سمر روحي الفيصل في كتابه أدب الأطفال وثقافتهم باستعراض الدراسات التي تناولت القيم في أدب الأطفال في الفصل الأول من كتابه. للتوسع في هذا الاستعراض انظر: الفيصل، سمر. 1998. أدب الأطفال وثقافتهم. سوريا: منشورات اتحاد الكتاب

 العرب.

4. شبلول، أحمد. مصدر سابق. ص71.