ألديك - طلعت سقيرق، من مجموعته هيفاء وضوء الٌقمر.

 

 

وقف الديك كعادته نافش الريش فرحاً مختالا وهو يصيح مع إطلالة صباح جديد .. كان يغيظ ديكاً آخر تغير صوته في المدة الأخيرة ، ولم يعد باستطاعته أن يشارك الديك المغرور الصياح عند الصباح.. حاول كثيرا أن يعيد صوته إلى سابق عهده ، لكن دون جدوى ، في كل مرة كان صوته يخرج خافتا مجروحا .. وكان يطيب للديك المغرور أن يهزأ من جاره بكل الوسائل الممكنة .. حتى أنه كثيرا ما أخذ يشتمه دون سبب ، ولم يكن الديك الذي أصيب صوته محبا للشجار ، لذلك كان يؤثر الصمت ، ويمضي إلى الحقل القريب حزينا يشكو للأشجار والأزهار همه ، ويرجو الله أن يعيد له صوته كما كان من قبل ..

في صباح أحد الأيام قال الديك المغرور مزهوا وهو يخاطب الديك الثاني :

- أنا أستغرب أن تبقى مقيما هنا حتى الآن ، ما الفائدة منك ؟؟ الأفضل أن ترحل بعيدا ، اسمع صوتي الجميل وفكر هل تستطيع أن تكون مثلي في يوم من الأيام ..أنت ديك مريض وستبقى كذلك ، وسأبقى أفضل منك بكثير ..

أجابه الديك الآخر حزينا مستاء :

- لا أنكر أنك تملك صوتا جميلا ، صدقني أنا أدعو الله العزيز أن يديمه لك .. لكن أيها الجار لماذا كل هذا التكبر ، هل من الجائز أن تتباهى بما وهبك الله مختالا فخورا متكبرا ؟؟

قال الديك المتعجرف :

- كل هذا الكلام لا فائدة منه ، أنت ديك مريض وستبقى كذلك ، وأنا أملك أجمل صوت وسأبقى كذلك ..

مضى الديك الثاني حائرا حزين القلب .. قال يخاطب نفسه :

- لماذا يفعل جاري الذي عرفته منذ مدة طويلة ما يفعله.. كل واحد منا معرض للمرض ، فهل يعني ذلك أن يكون كل واحد منا ضد الآخر في مرضه ، أم من الواجب أن نكون معا في مواجهة كل شيء .. سبحان الله ، لا أدري ماذا أفعل مع هذا الجار .. على كل سامحه الله ، ولا أتمنى له إلا كل خير ..

ولأن الأيام تمر بسرعة ، فقد تغيرت أشياء كثيرة ، وتبدلت أحوال كثيرة .. من ذلك أن الديك المغرور فقد صوته تماما ، ولم يعد باستطاعته الصياح كل صباح كما كان يفعل من قبل .. بينما عاد الصوت بكل جماله وبهائه وروعته للديك الثاني ، لكنه كان الجار الحنون القريب من جاره ، وكان يواسيه بكل الطرق الممكنة ، ويرجو الله أن يعيد له صوته كما كان .. حتى أنه ، احتراما لمشاعر جاره ، كان يبتعد قدر المستطاع ، كلما أراد أن يطلق صوته الجميل.. وكان الجار المتعجرف يشعر بالندم على ما بدر منه من قبل ، بعد أن رأى كيف يعامله الديك الذي عاد له صوته ..

ومع الأيام ، عاد الصوت للديك الأول ، لكنه تعلم أن يكون كريما عطوفا محبا لجيرانه .. ومع كل صباح كان يرتفع صياح الديك الأول ليجيبه الديك الثاني ، وبقيت الصداقة بينهما جميلة رائعة ، حيث بقي كل واحد منهما يحب الثاني كل الحب ..