الصرصور الكسول !!  - طلعت سقيرق، من مجموعته هيفاء وضوء الٌقمر.

 

تعوّد الصرصور أن يسرق طعامه من الآخرين ، كان يظن أن من حقه أخذ كل شيء دون جهد أو تعب ، لأنه ببساطة يعتبر أن العمل مضيعة للوقت .. وكم مرة صاح في الليالي الدافئة الحلوة :

- كل شيء متوفر وكثير فلماذا أجمع وأخبئ الطعام كما يفعل هؤلاء الأغبياء ؟؟

كان يضحك متعجبا حين يرى جماعة النمل تروح وترجع حاملة الطعام لتخبئه من أجل الشتاء البارد ، وكان وهو يغني ويرقص يخاطب النمل قائلا :

- ما كل هذا الغباء ، هل من الحكمة تضييع هذه الساعات الجميلة الرائعة بمثل هذه الأمور التافهة ؟؟ !! ..

مرت أيام الصيف وبدأ الجو يتغير شيئا فشيئا .. الصرصور كان غير مهتم .. ومازال مستغرباً من جماعة النمل .. لكنه وبعد حين ، بدأ يلحظ أن الأمور تتغير ، الطعام قل ، البرد صار شديدا ، الرياح لا تترك له حرية الحركة ..

 وعاد الصرصور إلى عادته القديمة ، وهل هناك أسهل من السرقة قال في نفسه ؟؟ ..

أيام مرت وهو يسرق من بيوت النمل الطعام الذي يريد .. كان ذلك سهلا ولا يكلفه جهدا يذكر .. لكن بعد مدة ،  واحدة من جماعة النمل قبضت عليه ونادت بصوت مرتفع .. اجتمع النمل جماعات ، جماعات .. وبعد تفكير وتمحيص قرروا محاكمة الصرصور ..حتى في مثل هذا الموقف العصيب ضحك الصرصور وقال :

- ماذا !! محاكمة .. حتى أنا لا أعرف ماذا تعني كلمة محاكمة هذه، فكيف أنتم ؟؟ ..

قالت واحدة من النملات :

- الذي يعمل ويتعب يعرف ماذا تعني المحاكمة.. ألا تعرف أيها المجنون أننا مجتمع منظم يعرف كل شيء عن هذه الأمور ..

بصراحة كان الصرصور لا يفهم شيئا من هذا الذي يجري .. قال في نفسه ((محاكمة !! ليكن وماذا ستكون النتيجة !!على أقل تقدير سأتعرف على هذه التي تدعى محاكمة !!)) ..

بعد التشاور والتباحث اجتمع مجلس النمل ، ووضع الصرصور الذي كان خائفا ، في قفص الاتهام .. وعندما سمع كلمة (( متهم )) كاد يغيب عن الوعي ، خاصة عندما تأكد أنه المقصود بهذه الكلمة المخيفة ..

قالت النملة رئيسة المجلس :

- يا جماعة النمل ، اليوم تشهدون قضية من أخطر القضايا ، إنني أقول لكم بصريح العبارة إن هذا الصرصور الماثل أمامكم تعوّد أن يسرق من بيوت الآخرين ، لأنه كما تعلمون جميعا لا يحب أن يعمل، إنه يمضي حياته بالاعتماد على الكسل واللعب !! وعلى هذا أرى أن يعاقب أشد عقاب ليكون عبرة للآخرين ..

أخذ الصرصور يرتعش من الخوف والاضطراب .. وازداد خوفه ، عندما ارتفع صوت نملة أخرى تجلس إلى يمين رئيسة المجلس قائلة:

- يجب أن أوضح هنا أن هذا الصرصور وأمثاله من جماعة الصراصير ، يظنون بوقاحة غريبة أنهم يؤدون خدمة للآخرين لمجرد أنهم يغنون هذا الغناء المقزز ، ويحسبون أن من حقهم السرقة ، بل يعتبرون أننا خدم عندهم ، وعلينا أن نؤمن طعامهم بينما هم يرقصون ويغنون !!..

قالت واحدة من النملات بدهشة وتهكم :

- ماذا !! هل يظنون هذا الصرير المزعج غناء؟؟ .. يا للعجب .. لا شيء يزعج  مثل هذا الصرير !!.. لكن أريد أن أعرف كيف يجدون أن من حقهم أخذ طعام الآخرين ؟؟..          

أجابت النملة ببساطة ووضوح :

- الصراصير تظن أنها خلقت للغناء واللعب والتسلية ، طبعا إنهم يظنون أن أصواتهم في غاية الجمال .. وقد علمت من بعض المعارف من الحشرات الأخرى ، أن الصراصير تجد أن من واجب النمل وكل حشرة أخرى أن تكون خادمة للصراصير في تأمين الطعام ، هل رأيتم وقاحة مثل هذه الوقاحة ؟؟ .. مجتمع الصراصير كما تعلمون مجتمع مفكك غير منظم ، إنهم يريدون الراحة والتسلية على حساب الآخرين ..

ضج المجلس بالاستنكار ، وصاح الجميع بضرورة معاقبة الصرصور ، وكل صرصور آخر .. هنا وقفت رئيسة المجلس وطالبت الجميع بالصمت ، وقالت :

- أنت أيها المتهم ، ماذا تقول بعد أن سمعت ما سمعت .. طبعا من حقك أن تدافع عن نفسك .. قل ما تريد ؟؟..

قال الصرصور وهو يرتعش :

- كنت جائعا ، ولم أجد الطعام ، ماذا أفعل ، هل أموت جوعا ؟؟

قالت رئيسة المجلس بصرامة :

- لكن هذا لا يجيز لك السرقة ..إنك ببساطة تأكل جهدنا وتعبنا وقوتنا .. لماذا تركت الوقت يسرقك ولم تعمل من أجل هذه الأيام ، هل من المنطق أن نعمل نحن ونشقى ونتعب ، لتأتي أنت وأمثالك هكذا بكل وقاحة وتستولون على جهدنا ؟؟

أجاب الصرصور خائفا :

- أنا وجماعة الصراصير لا نعرف غير الغناء !! كان ذلك منذ قديم الزمان ومازال !!ولدت ووجدت الأمور هكذا ، عليكم أن تحاكموا أجدادي .. أنا لست إلا صرصورا مسكينا ..

قالت رئيسة المجلس :

- هذا يدل على أنكم في غاية الغباء ، لماذا لم تعملوا وبعدها ليكن الغناء كيفما تشاءون ؟؟ لو كنتم تملكون ذرة من الذكاء لعملتم ثم غنيتم .. الغناء جميل بعد العمل والنشاط وبذل الجهد .. ولا معنى للحياة بدون عمل !!..

ارتفع صوت النمل عاليا :

- لا معنى للحياة من غير عمل .. لا معنى للحياة من غير جهد ..

قالت النملة رئيسة المجلس :

- لذلك ، وحسب قانون جماعتنا أرى أن  نحكم عليك بالموت..لأن الذي لا يعمل لا يستحق الحياة .. إنك وأمثالك عالة على الآخرين ..

حاول الصرصور بكل الوسائل أن ينال عطف النمل ، لكن دون جدوى ، فقد قر القرار على إعدام الصرصور السارق لجهد الآخرين ..

عند صباح اليوم الثاني رأت جماعة الصراصير ذلك الصرصور ميتا ومرميا في الشارع .. رغم ذلك فقد ظلت الصراصير كما كانت دائما ، ولم يتغير شيء .. وكانت جماعة النمل النشيطة في غاية الأسف لأن هذا الدرس لم يفد بقية الصراصير!!..